• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 54 _ أصالة الاشتغال 6 .

الدرس 54 _ أصالة الاشتغال 6

[أصالة الاشتغال: دوران الامر بين المتباينين]
 [الامر الثالث: في شمول أدلّة الأصول العملية لأطراف العلم الاجمالي في مقام الإثبات]
رابعاً: أنّ قوله (عليه السّلام) «بعينه» وإن احتمل أن يكون المراد منه تأكيد العلم، إلا أنّه بعيد، خصوصاً مع ملاحظة ما مثّل به الإمام (عليه السّلام) في قوله: «وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعلّه حر قد باع نفسه...»، فإنّه يرجّح احتمال أن يكون المراد تمييز المعلوم.
ثمّ لو سلّمنا أنّ كلمة بعينه تأكيد للعلم في رواية مسعدة، إلا أنّ ذلك لا يتم في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال: «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه». لإنّها ظاهرة جداً في تمييز الحرام عن غيره، لا سيما مع ذكر كلمة «منه». وعليه، فتكون الغاية ظاهرة في خصوص العلم التفصيلي.
والخلاصة إلى هنا: إنّه لا قصور في شمول أدلّة الأصول بنفسها لأطراف العلم الاجمالي ما لم يستلزم طرحاً لتكليف منجّز في البين، من غير فرق فيه بين الأصول التنزيلية وغيرها. وأنّ عدم جريانها في أطراف العلم إنّما هو لمانعية العلم الاجمالي من جهة منجّزيته، لا من جهة قصورها بنفسها، ولا من جهة مناقضة الصدر والذيل.
وحينئذٍ، على القول بعلّية العلم الاجمالي للموافقة القطعية، كما هو الإنصاف، لا مجال لجريانها ولو في بعض الأطراف، حتى مع فرض الخلو عن المعارض.
أمّا على القول بالاقتضاء بالنسبة إلى الموافقة القطعية دون المخالفة كان المانع عن جريانها معارضة كلّ منها مع الآخر، الموجب لسقوط الجميع عن الجريان. هذا فيما إذا لزم من جريانها طرحاً لتكليف منجّز في البين، وإلاّ فلا مانع من جريانها.

وأمّا على القول بالاقتضاء حتى بالنسبة إلى المخالفة القطعية وقابليّته لمنع المانع، فلا بأس بجريانها في جميع الأطراف، حتى الاستصحاب الذي هو من الأصول المحرزة، نظراً إلى صلاحيّتها للمانعية عن اقتضائه. والله العالم.

بقي الكلام في المقام بناءً على أنّ العلم الاجمالي مقتضٍ بالنسبة للموافقة القطعية في جواز التخيير في إجراء أحد الأصلين المتعارضين، فيما إذا لزم من جريانهما معاً المخالفة القطعية، إذ قد عرفت أنّه مع لزوم المخالفة القطعية لا يصحّ جريانهما معاً، ولا في الواحد المعيّن، لأنّه ترجيح بلا مرّجح، ولا في الواحد لا بعينه، أي الفرد المردّد، إذ لا وجود له في الخارج، والأصول إنّما تجري في كلّ طرف بعينه.

وعليه، فقد يُقال: إنّه لا موجب لسقوط الأصول في جميع الأطراف، بل غاية ذلك هو التخيير في إجراء أحد الأصليين المتعارضين، لا من جهة بقاء أحدهما لا بعينه تحت عموم دليل الترخيص -لما عرفت من عدم وجود الواحد لا بعينه في الخارج- بل من جهة تقييد إطلاق دليل الترخيص الجاري في كلّ طرف بحال عدم ارتكاب الآخر.

وتوضيحه: إنّ مقتضى إطلاق أدلّة الأصول هو ثبوت الترخيص في كلّ طرف من أطراف العلم الاجمالي، وقد علمنا من الخارج استحالة هذا الجعل لاستلزامه الترخيص في المعصية، فيدور الأمر بين رفع اليد عن أصل الترخيص في جميع الأطراف، ورفع اليد عن اطلاقه بأن يقيد الترخيص في كلّ طرف بما إذا لم يرتكب الطرف الآخر. والمتعيّن هو الثاني، إذ لا موجب لرفع اليد عن أصل الترخيص في كلّ منهما، إذ الضرورات تقدّر بقدرها، وتكون النتيجة حينئذٍ هي التخيير في تطبيق الترخيص على أي طرف من الأطراف.

وبالجملة، فإنّ المانع من إجراء الأصلين معاً هي المخالفة العملية القطعية، وهي لم تلزم من نفس حجّية الأصلين، بل من إطلاق حجّيتها لحال إجراء الأصل الآخر وعدمه، فلا بدّ من تقييد حجّية كلّ من الأصلين بحال عدم إجراء الآخر، كتقييد الأمر بالعمل بكلّ من الأمارتين المتعارضتين بحال عدم العمل بالأخرى من غير فرق بينهما، سوى أنّ الموجب للتقييد في الأمارتين المتعارضتين هو عدم القدرة على العمل بهما معاً جمعاً، وفي الأصلين المتعارضين هو لزوم المخالفة العملية القطعية من جريانهما معاً.
هذا غاية ما يمكن توجيهه بشكل مختصر على القول بالتخيير بلا حاجة للإطناب المملّ.
وفيه: أنّ القول بالتخيير في الأصول المتعارضة في غير محلّه، لا لِما قاله الميرزا النائيني (رحمه الله).
وحاصل ما ذكره بشكل مختصر: أنّ الموارد التي نقول فيها بالتخيير مع عدم قيام دليل عليه بالخصوص لا يخلو من أحد أمرين:
أحدهما: اقتضاء الكاشف والدليل الدالّ على الحكم بالتخيير في العمل.
ثانيهما: اقتضاء المنكشف والمدلول ذلك، وإن كان الدليل يقتضي التعيينية.
فمن الأوّل، ما إذا ورد عام كقوله: «أكرم العلماء»، وعلم بخروج زيد وعمرو عن العام، ولكن شكّ في أنّ خروجهما هل هو على وجه الاطلاق، بحيث لا يجب إكرام كلّ منهما في حال من الأحوال، أو أنّ خروجهما ليس على وجه الاطلاق، بل كان خروج كلّ منهما مشروطاً بحال عدم إكرام الآخر، بمعنى أن يكون عدم وجوب إكرام كلّ منهما مقيّداً بحال إكرام الآخر، بحيث يلزم من خروج أحدهما عن العموم دخول الآخر فيه. والوظيفة في مثل ذلك هي التخيير في إكرام أحد الفردين وترك الآخر، ولا يجوز ترك إكرام كلّ منهما، لأنّ مرجع الشكّ في ذلك إلى الشكّ في مقدار الخارج عن عموم وجوب إكرام العلماء، ولا بدّ من الاقتصار على المتيقّن خروجه وهو أحدهما، والتخيير في مثل هذا الفرض إنّما نشأ من اجتماع دليل العام وإجمال دليل الخاص، بضميمة وجوب الاقتصار على القدر المتيقّن في التخصيص، فإنّ اجتماع هذه الأصول أوجب التخيير في العمل.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1086
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 24-01-2017
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19