• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 63 _ تنبيهات العلم الجمالي 9 .

الدرس 63 _ تنبيهات العلم الجمالي 9

[أصالة الاشتغال: تنبيهات العلم الإجمالي]
 [التنبيه الثاني: شرطية الابتلاء بتمام الأطراف]
  [بيان حكم الشكّ في الابتلاء]

*قال صاحب الكفاية: ولو شك في ذلك كان المرجع هو البراءة لعدم القطع بالاشتغال لا إطلاق الخطاب ضرورة أنه لا مجال للتشبث به إلا فيما إذا شك في التقييد بشيء بعد الفراغ عن صحة الأطلاق بدونه لا فيما شك في اعتباره في صحته...*

أقول: إذا شك في خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء، فهل العلم الاجمالي منجّز للطرف المبتلى به، أم يرجع فيه إلى أصل البراءة؟
ذهب كثير من الأصوليين إلى التنجيز، منهم الشيخ الأنصاري والميرزا النائيني والآغا ضياء الدين العراقي والسيد أبو القاسم الخوئي وغيرهم رحمهم الله.
أما صاحب الكفاية، فقد ذهب إلى البراءة عن الطرف المبتلى به.
والإنصاف: أنّ الكلام تارةً: يقع في الشبهة المفهوميّة، وأخرى: في الشبهة المصداقيّة.

أمّا الشبهة المفهومية: كالخمر الموجود في البلاد المتوسّطة بين البعيدة والقريبة، حيث يحصل الشكّ في القدرة العاديّة عليه، وإمكان الابتلاء به، إذ للقدرة العادية مراتب مختلفة.
إذا عرفت ذلك، فنقول: إنّ الشك في حصول القدرة العاديّة يستتبع الشكّ في ثبوت التكليف، فهل الواجب هو مراعاة العلم الاجمالي بالاحتياط في الطرف المبتلى به أم لا؟
قد استدل لوجوب المراعاة بدليلين:
الدليل الأوّل: إنّ الشكّ في ذلك يرجع إلى الشكّ في القدرة عليه، ومن المعلوم أنّ العقل في مورد الشكّ في القدرة يحكم بوجوب الاحتياط.
لا يقال: إنّ الشكّ في القدرة يستتبع الشك في ثبوت التكليف، لاعتبار القدرة العقلية والعاديّة في صحّة كلّ من الأمر والنهي، وإلاّ لزم التكليف بما لا يطاق عند عدم القدرة العقلية، أو لزم استهجانه عند عدم القدرة العاديّة. وبالجملة، فالقدرة شرط لحسن التكليف والخطاب، والشكّ في ثبوت التكليف مرجعه إلى أصل البراءة. فإنّه يقال: إنّه لأجل العلم بالملاك يجري عليه حكم الشكّ في المسقط، وقد ذكرنا سابقاً، أنّ العلم بالملاك بمنزلة العلم بالتكليف. وعليه، فبعد العلم بالملاك، وجب الاحتياط بحكم العقل، حتى لا يكون فوات الملاك مستنداً إلى تقصير المكلّف، والعلم بالملاك في مقامنا هذا حاصل لتماميّة مقتضيات التكليف من طرف المولى، ولم يبقَ إلاّ القدرة على فعل المأمور به أو ترك المنهي عنه.

ومن المعلوم بين الأعلام، أنّ القدرة بكلا قسميها من العقلية والعادية ليست من الشرائط التي لها دخل في ثبوت ملاكات الأحكام الشرعية، بل إنّما هي من شرائط حسن التكليف والخطاب، كما عرفت، فالملاك محفوظ في كلتا صورتي وجود القدرة وعدمها. وعليه، فيستقلّ العقل بلزوم رعاية الملاك بالاحتياط وعدم الاعتناء باحتمال الموانع الراجعة إلى قصور العبد عن الامتثال إلى أن يتبيّن العجز، فإذا حصل له العلم بعدم القدرة على استيفاء الملاك بكلا قسميها، فالعقل لا يلزم حينئذٍ رعاية الملاك للعلم بأنّه ليس للمولى حكم على طبقه.

وأمّا مع الشك في القدرة، فالعقل يلزم برعاية الاحتمال تخلّصاً من الوقوع في مخالفة الواقع، تطبيقاً لقاعدة دفع الضرر المحتمل، ولا مجال هنا لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان، لأنّ مورد تلك القاعدة إنّما هو صورة احتمال القصور من ناحية تمامية اقتضاء التكليف من طرف المولى.
والخلاصة: إنّ الشك في حصول القدرة العاديّة، وإن كان يستلزم الشكّ في ثبوت التكليف، إلاّ أنّه لا مجال للبراءة، بل يجري عليه حكم الشكّ في المسقط، لما عرفت.

ثمّ إنّ هذا الدليل الذي ذكرناه، ذكره جماعة كثيرة من الأعلام منهم الميرزا النائيني (رحمه الله). إلا أنّ تلميذه المقرّر العالم الجليل الشيخ محمد علي الكاظمي (رحمه الله) أشكل عليه، حيث قال: «إنّه يلزم على هذا وجوب الاجتناب عن أحد طرفي المعلوم بالاجمال مع العلم بخروج الآخر عن مورد الابتلاء، للعلم بتحقق الملاك أيضاً في أحد الطرفين، لأنّ المفروض أنّه لا دخل للابتلاء وعدمه في الملاك، فلو كان العلم بثبوت الملاك يقتضي وجوب الاجتناب عن أحد الطرفين مع الشك في خروج الآخر عن مورد الابتلاء، فليقتضي ذلك أيضاً مع العلم بخروج أحدهما عن مورد الابتلاء، مع أنّه قد تقدم أنّ خروج بعض الأطراف يقتضي عدم وجوب الاجتناب عن الآخر.
والسّر في ذلك: هو أنّ مجرّد وجود الملاك لا يكفي في حكم العقل بوجوب رعايته ما لم يكن تاماً في الملاكية ولم نعلم أنّ الملاك في الخارج عن مورد الابتلاء يكون تاماً في ملاكيته. وعليه، لا فرق بين المتيقّن خروجه عن مورد الابتلاء والمشكوك خروجه عنه في عدم وجوب الاجتناب عن الآخر. وشيخنا الأستاذ قد أسقط الوجه الأول ­ أي هذا الدليل الذي نحن بصدده ­ عن الاعتبار بعد ما كان بانياً عليه، لما أوردت عليه النقص المذكور». (انتهى كلام الشيخ محمد علي الكاظمي).

وقد علّق الآغا ضياء الدين العراقي (رحمه الله) على هذا الكلام بقوله: «وليس العجب من المتوهّم اشتباه الأمر عليه، وإنّما العجب من استاذه كيف قنع بهذا الإشكال». (انتهى كلامه).
وبيانه: «إنّ موضوع حكم العقل بالاحتياط إنّما هو الشكّ في القدرة في مورد الملاك والمصلحة، وهذا المعنى متحقّق في فرض الشكّ في خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء، حيث إنّ الطرف المشكوك على فرض كونه ظرفاً لوجود الملاك والمصلحة يشكّ فيه في القدرة.
وهذا بخلاف الفرض السابق، فإنّه لا شكّ فيه في القدرة على مورد المصلحة، فإنّه على تقدير وجود المصلحة في الخارج عن محلّ الابتلاء يقطع فيه بعدم القدرة، وعلى تقدير وجودها في غيره يقطع فيه بالقدرة، فليس للمكلّف شكّ في القدرة على كلّ تقدير، وإنّما الشكّ في أنّ مورد الملاك والمصلحة، أي الأمرين منهما. ومرجع ذلك إلى الشكّ في وجود الملاك في المقدور لا في القدرة... إلخ» وهو جيد.
والخلاصة: إنّ هذا الدليل الأوّل قويّ. والله العالم.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1095
  • تاريخ إضافة الموضوع : الثلاثاء: 14-02-2017
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19