(2) المشهور بين الأعلام أنّه يقضي وتراً دائماً، ويدلّ عليه جملة من الرّوايات:
منها: صحيحة سليمان بن خالد «قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قضاء الوتر بعد (الظّهر) الزّوال، فقال: اِقضه وتراً أبداً كما فاتك، قلت: وتران في ليلة؟! فقال: نعم، أليس إنّما أحدهما قضاء»[i]f689.
ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام «قال: سألته عن الوتر يفوت الرجل، قال: يقضي وتراً أبداً»[ii]f690.
ومنها: صحيحة عبد الله بن المغيرة «قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يفوته الوتر، قال: يقضيه وتراً أبداً»[iii]f691.
(1) يدلّ على ذلك جملة من الروايات:
منها: صحيحة الفضيل «قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: تقضيه من النّهار ما لم تزل الشّمس وتراً، فإذا زالت فمثنًى مثنًى»[iv]f692.
ومنها: موثّقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: الوتر ثلاث ركعات إلى زوال الشّمس، فإذا زالت فأربع ركعات»[v]f693.
ومنها: رواية كردويه الهمداني «قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قضاء الوتر، فقال: ما كان بعد الزّوال فهو شفع ركعتين ركعتين»[vi]f694، ولكنّها ضعيفة بجهالة كردويه الهمداني.
أقول: حمل الشيخ رحمه الله هذه الأخبار تارةً على من يصلّي جالساً، وتارةً أخرى بأنّه على طريق العقوبة لِمَا تضمنته رواية زرارة «قال: ... ومتى ما قضيته نهاراً بعد ذلك اليوم قضيته شفعاً تضيف إليه أخرى حتّى تكون شفعاً، قال قلت: ولِمَ جعل الشفع، قال: عقوبة لتضييعه الوتر»[vii]f695.
أقول: ويحتمل الحمل على التقية، والله العالم.
(1) كما دلّت جملة من الأخبار:
منها: حسنة عيسى بن عبد الله القمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أبو جعفر عليه السلام يقضي عشرين وتراً في ليلة[viii]f696.
منها: صحيحة إسماعيل الجعفي «قال: قال أبو جعفر عليه السلام: أفضل قضاء النوافل قضاء صلاة اللّيل باللّيل، وصلاة النّهار بالنّهار، قلت: ويكون وتران في ليلة؟! قال: لا، قلت: ولِمَ تأمرني أن أوتر وترين في ليلة؟! فقال: أحدهما قضاء»[ix]f697، وهي صحيحة بطريق الشيخ، ومثلها موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلاما[x]f698.
ومنها: حسنة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: «قَالَ: إِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْكَ وَتْرَانِ، وثَلَاثَةٌ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَاقْضِ ذَلِكَ كَمَا فَاتَكَ، تَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ وَتْرَيْنِ بِصَلَاةٍ، (لأَنَّ الْوَتْرَ الآخِرُ خ ل)، لَا تُقَدِّمَنَّ شَيْئاً قَبْلَ أَوَّلِه، الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ، تَبْدَأُ إِذَا أَنْتَ قَضَيْتَ صَلَاةَ لَيْلَتِكَ، ثُمَّ الْوَتْرَ، قَالَ: وقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: لَا يَكُونُ وَتْرَانِ (لا وتران خ ل) فِي لَيْلَةٍ إِلاَّ وأَحَدُهُمَا قَضَاءٌ، وقَالَ إذا (وترت خ ل) أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وقُمْتَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَوَتْرُكَ الأَوَّلُ قَضَاءٌ، ومَا صَلَّيْتَ مِنْ صَلَاةٍ فِي لَيْلَتِكَ كُلِّهَا فَلْتكُنْ قَضَاءً إِلَى آخِرِ صَلَاتِكَ، فَإِنَّهَا (ليلتك خ ل) لِلَيْلَتِكَ، ولْيَكُنْ آخِرُ صَلَاتِكَ وَتْرَ لَيْلَتِكَ»[xi]f699.
وأمَّا ما ورد في موثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام «في حديث، قال: سألته عن الرّجل يكون عليه صلاةُ ليالٍ كثيرة، هل يجوز له أن يقضي صلاةَ ليالٍ كثيرة بأوتارها، يتبع بعضها بعضاً؟ قال: نعم، كذلك له في أوَّل اللّيل، وأمَّا إذا انتصف إلى أن يطلع فليس للرجل ولا للمرأة أن يوتر إلاَّ وتر صلاة تلك الليلة، فإن أحبَ أن يقضي صلاة عليه صلّى ثماني ركعات من صلاة تلك الليلة، وآخر الوتر، ثمّ يقضي ما بدا له بلا وتر، ثمّ يوتر الوتر الذي لتلك اللّيلة خاصَّة»[xii]f700، فيمكن حمله على التقيّة، لِمَا ينقل عن العامّة من أنّه لا وترين في ليلةٍ واحدة.
(1) قال المصنِّف رحمه الله في الذكرى: «أنّه قدِ اشتُهر بين متأخري الأصحاب قولاً وفعلاً الاحتياط بقضاء صلاة يتخيّل اشتمالها على خَلَل، بل جميع العبادات الموهوم فيها ذلك، وربما تداركوا ما لا مدخل للوهم في صحته، وبطلانه في الحياة وبالوصية بعد الوفاة، ولم نظفر بنصٍّ في ذلك بالخصوص، وللبحث فيه مجال، إذ يمكن أن يقال بشرعيته، لوجوه: منها قوله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ ]التغابن: 16[، و﴿اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ ]آل عمران: 102[، «وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ ]الحج: 78[، «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ ]العنكبوت: 69[، و﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ ]المؤمنون: 60[، وقول النبي صلى الله عليه وآله: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»، «وإنّما الأعمال بالنيات» إلى أن قال: وربما تخيل المنع لوجوه، منها قوله تعالى: «يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ﴾ ]البقرة: 185[، «يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ﴾ ]النساء: 28[، « وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ ]الحج: 78[، وفتح باب الاحتياط يؤدي إليه. وقول النبي صلى الله عليه وآله: «بعثت بالحنيفية السمحة السهلة» ثمَّ قال بعد أنِ استقرب الأوّل، أي قول المشهور ولأنّ إجماع شيعة عصرنا وما راهقه عليه، فإنّهم لا يزالون يوصون بقضاء العبادات مع فعلهم إياها، ويعيدون كثيراً من منها أداءً وقضاءً، والنهي عن إعادة الصّلاة هو في الشكّ الذي يمكن فيه البناء».
أقول: لا حاجة إلى هذا التطويل الزائد، لأنّ الكلام، إن كان في قضاء ما يُحتمل الخلل في أدائه، فلا إشكال في حسن الاحتياط فيه، وإن علم بأصل الإتيان به، فإن الاحتمال المذكور، وإن كان مدفوعاً بقاعدة الفراغ، إلاَّ أنّ احتمال الخلل الواقعي المساوق لاحتمال الفوت ثابت وجداناً، فيستحب الاحتياط، وتحصيل الفراغ عن التكليف الاحتمالي.
وأمَّا القضاء مع يقين الصحة ويقين البراءة،ففيه : إشكال قوي، إذ شرعيّة العبادات تحتاج إلى توقيف من الشَّارع، ولا يوجد ما يدلّ على ذلك، والله العالم.
[i] الوسائل باب 10 من أبواب قضاء الصّلوات ح4.
[ii] الوسائل باب 10 من أبواب قضاء الصّلوات ح6.
[iii] الوسائل باب 10 من أبواب قضاء الصّلوات ح8.
[iv] الوسائل باب 10 من أبواب قضاء الصّلوات ح9.
[v] الوسائل باب 10 من أبواب قضاء الصّلوات ح12.
[vi] الوسائل باب 10 من أبواب قضاء الصّلوات ح11.
[vii] الوسائل باب 10 من أبواب قضاء الصّلوات ح10.
[viii] الوسائل باب 9 من أبواب قضاء الصّلوات ح2.
[ix] الوسائل باب 57 من أبواب المواقيت ح7.
[x] الوسائل باب 57 من أبواب المواقيت ح11.
[xi] الوسائل باب 42 من أبواب بقية الصلاة المندوبة ح5.
[xii] الوسائل باب 42 من أبواب بقية الصلاة المندوبة ح4.
|