• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 128 _ قاعدة لا ضرر ولا ضرار 6 .

الدرس 128 _ قاعدة لا ضرر ولا ضرار 6


المعنى الثالث: وهو المحكي عن الفاضل التوني (رحمه الله) من أن المنفي هو نوع من الضرر حقيقة لا ادّعاءً وهو الضرر غير المتدارك. أي أن الشارع نفى الضرر غير المتدارك ويستكشف من ذلك أن كل ضرر متدارك، وَتَدَارُكُهُ يكون بجعل الشارع الضمان أو الخيار أو غيرهما. والخلاصة: أن الضرر المتدارك ليس بضرر.
وفيه:
أنه إذا أريد من التدارك: التدارك الخارجي، فهذا خلاف الواقع، إذ أنّ كثير من الضرر غير متدارك خارجاً.
وإن أريد من التدارك: هو التدارك بحسب حكم الشارع بمعنى أنه ليس في الخارج ضرر لم يحكم الشارع بتداركه. ففيه: أن الضرر الحاصل لم يخرج عن كونه ضرراً بمجرد حكم الشارع بالتدارك، بل الذي يخرجه عن كونه ضرراً هو التدارك الخارجي. أضف إلى ذلك أنه لم يثبت عندنا أن كل ضرر حصل في الخارج حكم الشارع بتداركه، فمثلاً لو فرضنا أن زيداً عنده محلاً لبيع الثياب ونحوها، ثم فتح عمرو محلاً لبيع الثياب بجانب محل زيد، وتضرر زيد بسبب فتح عمرو المحل، فلا يجب على عمرو ولا على غيره تدارك الضرر الحاصل لزيد بسبب فتح عمرو للمحل. وكذا لو تضرر بكر بانهدام داره بآفة سماوية فلا يجب على غيره أن يتدارك الضرر.
والخلاصة: أن هذا المعنى الثالث لم يكتب له التوفيق أيضاً لا سيما أنه خلاف الظاهر لا يصار إليه بلا قرينة.
المعنى الرابع: أن المنفي نوع من الحقيقة حقيقةً وهو خصوص الضرر الآتي من قبل الحكم الشرعي فإنه مما يمكن نفيه حقيقة بنفي سببه وهو الحكم. وهذا المعنى ذهب إليه أغلب الأعلام ومنهم الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله) حيث قال: «فاعلم: أن المعنى بعد تعذر إرادة الحقيقة: عدم تشريع الضرر، بمعنى أن الشارع لم يشرع حكماً يلزم منه ضرر على أحد، تكليفيا كان أو وضعيا. فلزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون فينفي بالخبر (الى ان قال): وكذلك وجوب الوضوء على من لا يجد الماء إلا بثمن كثير»[1]. (انتهى كلامه)
والحاصل: أن معنى «لا ضرر» هو نفي الحكم في عالم التشريع. كما أن معنى «لا حرج» هو نفي الحكم الحرجي في عالم التشريع. وذلك باستعمال الضرر في الحكم:
إما بنحو المجاز في الكلمة بعلاقة السببية حيث ان الحكم الشرعي سبب للوقوع في الضرر كوجوب الوضوء مع الضرر البدني أو المالي ولزوم البيع الغبني ضرورة ان وجوب الضوء ولزوم البيع سببان للضرر عرفاً وهذه السببية تصحح استعمال الضرر في الحكم مجازاً.
وإما بنحو المجاز في الحذف بأن يراد من قوله لا ضرر لا حكم ضرري فالمنفي حينئذ هو طبيعة الضرر في وعاء التشريع.
ثم لا يخفى عليك أن ما ذكره الشيخ الاعظم وأغلب الاعلام (رحمهم الله) لا يختص بما إذا كان نفس الحكم ضررياً  كلزوم البيع الغبني مثلاً بل يشمل ما إذا كان المتعلق ضررياً  كالوضوء الضرري ونحوه، وهذا هو الصحيح فكل حكم تكليفي أو وضعي ينشأ منه الضرر أو من متعلقه فليس بمجعول ولا ممضي شرعاً ولا يرد عليه شيء مما ذكر سابقاً. وعليه: فهذا هو المتعيّن.
ثم إنَّ ما ذكره الشيخ الأنصاري (رحمه الله) من المثال لقاعدة الضرر وهو وجوب الوضوء على من لا يجد الماء إلا بثمنٍ كثير. فهو في الواقع مستثنى من قاعدة لا ضرر، فإنه وإن تضرر بدفع المال الكثير لشراء الماء للوضوء إلا أنه مستثنى للروايات الخاصة:
منها: صحيحة صفوان قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجلٍ احتاج إلى الوضوء للصلاة وهو لا يقدر على الماء، فوجد بقدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم وهو واجد لها، أيشتري ويتوضأ أم يتيمم قال: لا، بل يشتري، قد أصابني من ذلك فاشتريت وتوضأت وما يسوؤني (يسرني) بذلك مال كثير»[2].
ومنها: ما في تفسير العياشي (رحمه الله) حيث ورد فيها: «قلت: إن وجد قدر وضوء بمأة ألف أو بألف وكم بلغ؟ قال: ذلك على قدر جدته»[3]. لكنها ضعيفة بالارسال، وبجهالة الحسين بن ابي طلحة. ولو مثَّل الشيخ الانصاري (رحمه الله) بالوضوء الضرري من جهة البدن لكان اسلم والله العالم.
ثم أنه بعد أن عرفت أن الصحيح هو ما ذهب إليه الشيخ الأعظم (رحمه الله) وأغلب الأعلام قد يستشكل في انطباق هذه القاعدة «لا ضرر» على ما ذُكر في قصة سمرة بن جندب.
ووجه الإشكال: هو أن الضرر في تلك القضية نشأ من دخول سمرة بن جندب إلى عَذَقِهِ بدون الإستئذان من الأنصاري، وأما بقاء العذق في البستان فلا يترتب عليه ضرر. وعليه: فإذا لم يكن بقاء عَذَقِهِ مضراً بالأنصاري فلماذا أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بقلعه وعلّله بقوله (صلى الله عليه وآله): «لا ضرر». أي لا حكم ضرري بالشريعة. فالقاعدة حينئذ لا تنطبق على المورد. 
أجاب الشيخ الأعظم (رحمه الله) بما حاصله: أنه لا ندري كيفية انطباق الكبرى على المورد، والجهل بالإنطباق لا يضر بالإستدلال بالكبرى الكلية فيما عُلم انطباقها عليه.
أقول: لا يخفى عليك أن الأمر بالقلع حكم ولائي سلطاني لكون النبي (صلى الله عليه وآله) رئيساً وسلطاناً للدولة الإسلامية وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾، ومن المعلوم أن أوامره (صلى الله عليه وآله) بما يتعلق في شؤون الدولة أوامر سلطانية وامتثالها إطاعة له (صلى الله عليه وآله) كما إذا جعل الإمارة لشخصٍ على العسكر فإنه تجب إطاعته لكونه زعيم الأمة، وهذا المنصب للرسول (صلى الله عليه وآله) هو أيضاً ثابت للأئمة (عليهم السلام) فلهم الولاية على الأمة، بل هو ثابت «في الجملة» للفقيه المأمون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] فرائد الاصول للشيخ الأنصاري (رحمه الله): ج2، ص460.
[2] الوسائل باب 26 من أبواب أحكام التيمم ح1.
[3] الوسائل باب 26 من أبواب أحكام التيمم ح2.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1399
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 08-11-2017
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28