• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : الاصول العملية / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 134 _ قاعدة لا ضرر ولا ضرار 12 .

الدرس 134 _ قاعدة لا ضرر ولا ضرار 12

لا زال الكلام في المدرك لخيار الغبن، وقلنا إن جماعة من الأعلام ذهبوا إلى أن الضرر في المعاملات نوعيّ، واستدلوا لذلك بخيار الغبن، حيث أنه قد يكون هناك خيار ولا يوجد ضرر.

ولكن الإنصاف أنّ المدرك الأساسي لخيار الغبن ليس هو قاعدة «لا ضرر»، بل المدرك لخيار الغبن هو تخلّف الشرط الإرتكازي الثابت في المعاملات العقلائية، إذْ المرتكز عند العقلاء في المعاملات هو «تساوي العوضين» في المالية. وهذا الأمر الإرتكازي هو المعبّر عنه «بالشرط الضمني». فلو فرض نقصان أحد العوضين عن الآخر في المالية بحيث ينافي هذا الشرط الضمني، ثبت خيار تخلّف الشرط. نعم التفاوت اليسير لا يوجب الخيار لكونه ثابتاً في أكثر المعاملات. وأما إذا علم بالغبن وعدم تساوي العوضين في المالية ومع ذلك أقدم على البيع فلا خيار له حينئذٍ لأنه بإقدامه على البيع يكون قد أسقط «الشرط الضمني» ولا يصح التمسك للخيار بقاعدة «لا ضرر» لأنه هو بنفسه أقدم على الضرر، بل الحكم بعدم لزوم هذه المعاملة يكون على خلاف الإمتنان. أما ذِكر الفقهاء لقاعدة «لا ضرر» في خيار الغبن، فليس بالضرورة أن يكون العمدة عندهم في الإستناد إلى خيار الغبن، فلعلهم ذكروه من باب التأييد للمطلب. والخلاصة أنه لا فرق بين العبادات والمعاملات من حيث كون الضرر شخصياً في كل منهما والله العالم.

التنبيه الثالث: هل قاعدة «لا ضرر» مختصّة بالأحكام الوجودية، أم تشمل الأحكام العدمية.
ذهب جماعة من الأعلام أن قاعدة «لا ضرر» كما أنها حاكمة على الأحكام الوجودية، كذلك حاكمة على الأحكام العدمية. ويظهر من الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله) الإستشكال في ذلك حيث قال -بعد نفي الإشكال عن نفي الأحكام الوجودية بقاعدة نفي الضرر-: «وأما الأحكام العدمية الضررية مثل عدم ضمان ما يفوته على الحرّ من عمله بسبب حبسه، ففي نفيها بهذه القاعدة فيجب أن يحكم بالضمان إشكال، من أنّ القاعدة ناظرة إلى نفي ما يثبت بالعمومات من الأحكام الشرعية (إلى أن قال): ومن أنّ المنفيّ ليس خصوص المجعولات، بل مطلق ما يُتدين به ويعامل عليه في شريعة الإسلام وجودياً كان أم عدمياً ...». (انتهى كلامه)

وعن بعض الأعلام أن القاعدة كما تنفي الحكم الوجودي الضرري وتكون حاكمة عليه، كذلك تنفي عدم الحكم إن كان ضررياً، ونفي النفي إثبات. وعليه فيثبت الحكم في مورد كان نفيه ضررياً. كما لو حبس أحدٌ غيرَه عدواناً فشرد حيوانه فإنّ عدم حكم الشارع فيه بالضمان ضررٌ على المحبوس، فينتفي بحديث «لا ضرر» ويحكم بالضمان. وممن ذهب إلى ذلك صاحب العروة (رحمه الله) في مسألة ما لو امتنع الزوج عن نفقة زوجته فَحَكم بجواز طلاقها للحاكم الشرعي بقاعدة «لا ضرر» وبالروايات الخاصّة. بتقريب أن عدم الحكم بجواز طلاقها للحاكم ضررٌ عليها فينفي هذا العدم بحديث «نفي الضرر» ومقتضاه جواز طلاقها للحاكم. قال السيد اليزدي (رحمه الله) -في عداد النساء اللاتي يجوز للحاكم الشرعي طلاقهنّ-: «وكذا في الحاضر المعسر الّذي لا يتمكّن من الإنفاق مع عدم صبر زوجته على هذه الحالة. ففي جميع هذه الصور وأشباهها، وإن كان ظاهر كلماتهم عدم جواز فكّها وطلاقها للحاكم لأنّ الطلاق بيد من أخذ بالساق، إلاّ أنّه يمكن أن يقال بجوازه، لقاعدة نفي الحرج والضرر، خصوصاً إذا كانت شابّة واستلزم صبرها طول عمرها وقوعها في مشقّة شديدة، ولِما يمكن أن يستفاد من بعض الأخبار». (انتهى كلامه)
وممن ذهب إلى ذلك السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله) وحاصل ما ذكره: «إن عدم جعل الحكم في موضع قابل للجعل، جعلٌ لعدم ذلك الحكم، فيكون العدم مجعولا. وعليه فلا مانع من شمول دليل لا ضرر للأحكام العدمية أيضا إن كانت ضررية هذا من حيث الكبرى، إلا أن الصغرى لهذه الكبرى غير متحققة، فإنّا لم نجد مورداً كان فيه عدم الحكم ضررياً حتى نحكم برفعه وبثبوت الحكم بقاعدة لا ضرر». (انتهى كلامه)

أقول: مقتضى الإنصاف وفاقاً للميرزا النائيني (رحمه الله) هو أنّ عدم الحكم ليس حكماً مجعولاً، فلا يجري فيه حديث «نفي الضرر» لظهوره في رفع الحكم الثابت وقصوره عن إثبات الحكم الوجودي، فمفاد «لا ضرر» هو تنزيل الموجود منزلة المعدوم. أضف إلى ذلك أن العدم ليس حكماً شرعياً حتى يكون حديث «نفي الضرر» نافياً له وحاكماً عليه.
وأما ما ذكره السيد الخوئي (رحمه الله) من «أن عدم جعل الحكم في موضع قابل للجعل، جعلٌ لعدم ذلك الحكم». ففيه: أن مجرد القابلية للجعل غير فعلية الجعل. فلو سلمنا أن العدم يكون حكماً شرعياً، إلا أنّ الحكم في هذه الصورة فيما لوكان الجعل فعلياً، لا فيما أمكن الجعل فيه، وبينهما فرق واسع. والخلاصة أن قاعدة «لا ضرر» مثل قاعدة لا حرج حاكمة على الأحكام الوجودية فقط.

وأما الأمثلة التي ذكروها:
أما مسألة الضمان فيما لو حبس أحدٌ غيرَه حتى شرد حيوانه. فالضمان ليس مستنداً إلى قاعدة «نفي الضرر»، بل هو مستند إلى قاعدة «الإتلاف» لأنّ الحابس صار سبباً في هروب الحيوان فيضمن. أضف إلى ذلك أنّ حديث «لا ضرر» ناظر إلى نفي الضرر في عالم التشريع، ولا دلالة فيه على وجوب تدارك الضرر الخارجي المتحقق من غير جهة الحكم الشرعي، والضرر في هذه المسألة ليس ناشئاً من قبل الشارع المقدس بل هو ناشىء من قبل الحابس وحديث «لا ضرر» لا يدل على وجوب تدارك الضرر الحاصل في الخارج بأي سبب كان، بل يدل على الضرر الناشىء من قبل الشارع في عالم التشريع. وهكذا لو حبس شخصٌ الحرَّ عن عمله، فهو ليس مستند إلى قاعدة «نفي الضرر»، بل منشؤه ظلم الظالمين.

وأما مسألة جواز طلاق الحاكم الشرعي زوجة الممتنع زوجها عن الإنفاق عليها، فإذا كان ممتنعا عن الإنفاق مع قدرته عليه، فالحاكم الشرعي يخيّر الزوج بين الإنفاق عليها أو طلاقها، فإن امتنع عن كليهما، فيجوز عندئذٍ للحاكم أن يطلقها، ويقع الطلاق بائناً ولكن العدة رجعية، ولكن ما الدليل على ذلك؟. هل لأجل قاعدة لا ضرر أم لشيءٍ آخر.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1415
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 22-11-2017
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28