• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : كتاب الصلاة .
              • القسم الفرعي : مبحث صلاة الجمعة / بحث الفقه .
                    • الموضوع : الدرس 636 _ صلاة الجمعة 22 .

الدرس 636 _ صلاة الجمعة 22

لا زال الكلام في أركان الخطبة، وما هو معتبرٌ فيها.

وأمَّا اعتبار «الوَعْظ»:
فقد ذكر صاحب المدارك (رحمه الله): «أنَّه موضع وفاق بين علمائنا وأكثر العامَّة»[1]. (انتهى كلامه)
وفي الجواهر: «فوجوبه خيرة الأكثر نقلا وتحصيلا، بل هو من معقد إجماع الخلاف والغنية وظاهر كشف الحق»[2]. (انتهى كلامه)
أقول: لا إشكال في اعتبار الوعظ في الخطبة الأُولى، لاتِّفاق النصوص والفتاوى على ذلك، وأمَّا في الخطبة الثانية، فإنَّ المشهور وإن ذهب إلى اعتبار «الوَعْظ» فيها، واشتمال صحيحة ابن مسلم على ذلك أيضاً، ولكنَّ موثَّقة سماعة لم تشتمل على «الوَعْظ» في الخطبة الثانية، ومقتضى الصناعة العلميَّة هو حَمْل «الوَعْظ» المذكور في الخطبة الثانية في صحيحة ابن مسلم على الاستحباب، إلَّا أنَّ الأحوط وجوباً هو الإتيان به في الخطبة الثانية أيضاً، لِمَا عرفت من أنَّ الاحتياط إنَّما هو لأجل الإجماع المدَّعى.
ثمَّ لا يخفى عليك: أنَّه لا يتعيَّن لفظ خاصّ في «الوَعْظ» حتَّى الوصيَّة بتقوى الله المذكورة في الرِّوايات، لأنَّ ذكر الوصيَّة بتقوى الله فيها لا يقتضي التعيين، كما أنَّ الأحوط وجوباً هو الاستغفار للمسلمين والمسلمات في كلٍّ من الخطبتين، لأنَّ موثَّقة سماعة مشتملة على الاستغفار في الخطبة الثانية، وصحيحة ابن مسلم مشتملة عليه في الخطبة الأُولى، ومقتضى الصِّناعة العلميَّة، وإن كان هو الاستحباب، لأنَّ عدم ذِكْر الاستغفار في الخطبة الأولى في موثَّقة سماعة تكون قرينةً على كون الاستغفار المذكور في الخطبة الأولى، لصحيحة ابن مسلم محمولاً على الاستحباب، وكذا العكس، ولكنَّ الاحتياط الوجوبي إنَّما هو لأجل الإجماع المدَّعى.

وأمَّا اعتبار «قراءة سورة خفيفة» في الخطبتين: فهو المشهور بين الأعلام.
وفي المدارك: «إن القراءة فيهما هل هي واجبة أم لا؟ وعلى القول بالوجوب كما هو المشهور فهل الواجب سورة خفيفة فيهما، أو في الأولى خاصة، أو بين الخطبتين كما قاله في الاقتصاد؟ ولعل مراده أن يكون بعد إتمام الأولى وقبل الجلوس فيطابق المشهور، أو آية تامة الفائدة في الخطبتين كما هو ظاهر الخلاف؟ أو في الأولى خاصّة كما هو ظاهر المصباح»[3]. (انتهى كلامه)
أقول: مقتضى الإنصاف: هو اعتبار «قراءة سورة خفيفة» في الخطبة الأُولى دون الثانية، وذلك لاشتمال موثَّقة سماعة على قراءتها في الأُولى، وكذا صحيحة ابن مسلم، وكذا خطب أمير المؤمنين (عليه السَّلام)؛ نعم، الأحوط استحباباً «قراءة سورة خفيفة» في الثانية.

وأمَّا ما عن جماعة من الأعلام: «من الاجتزاء بآية تامَّة»، وعن المصنف (رحمه الله) في الذِّكرى: «الاجتزاء بقراءة ما تيسَّر من القرآن»[4]. (انتهى كلامه) فقد يستدلّ لذلك: بالنَّبوي المروي من طرق العامَّة، من أنَّ صفوان بن معلَّى، أو بن يعلّى، عن أبيه: «سمع النَّبي (صلى الله عليه وآله) يقرأ على المنبر: ونادوا يا مالِك...»[5].
ففيه: أوَّلاً: أنَّه ضعيفة سنداً، كما هو واضح. وثانياً: أنَّه لا دلالة فيه على المطلوب، إذ يمكن أنَّه سمعه يقرأ في أثناء الخطبة.

ثمَّ إنَّه: بناءً على كفاية الآية الواحدة، فقد ذكر المحقّق الثاني (رحمه الله) في جامع المقاصد أنَّ: «المراد بالآية التامة الفائدة: ما يستقل بإفادة معنى يعتد به بالنسبة إلى مقصود الخطبة، سواء تضمنت وعدا أو وعيدا أو حكماً أو قصصاً، فلا يجزئ نحو قوله تعالى: ﴿مدهامتان﴾، ولا نحو: ﴿فألقي السحرة ساجدين﴾»[6]. (انتهى كلامه) وهو جيِّد، والعالم.

ثمَّ اعلم: أنَّه ذهب كثير من الأعلام إلى اعتبار العربيَّة في الخطبتين، ومنهم المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى حيث قال: «وايقاعها بالعربية»[7]. (انتهى كلامه)
وفي المدارك: «منع أكثر الأصحاب من إجزاء الخطبة بغير العربية لل تأسِّي، وهو حسن»[8]. (انتهى كلامه)
قال في الجواهر -بعد نقل عبارة المدارك-: «قد يفرق فيهما بين الحمد والصلاة وبين الوعظ، فيجوز -أي الوعظ- بغيرها اختيارا مع فهم العدد، بخلافهما -أي الحمد والصلاة- لظهور الأدلَّة في إرادة اللفظ فيهما -أي الحمد والصلاة- والمعنى فيه -أي الوعظ-، وإن كان الواقع منه (عليه السّلام) العربية فيه -أي الوعظ- أيضاً، لكن لعله لأنَّه (عليه السّلام) عربي يتكلم بلسانه لا لوجوبه»[9]. (انتهى كلامه)
أقول: أمَّا استدلال صاحب المدارك (رحمه الله) بالتأسِّي، ففيه: ما عرفته من أنَّ التأسِّي لا يصلح للاستدلال، لأنَّ فِعْل المعصوم (عليه السَّلام) مجمل لا ظهور فيه، والقدر المتيقَّن منه هنا هو الاستحباب.
وأمَّا تفريق صاحب الجواهر (رحمه الله) بين الحمد والصَّلاة، وبين الوعظ، بظهور الأدلَّة في إرادة اللفظ فيهما دون الوعظ،. فيرد عليه: إن كان منشأ هذا الظُّهور هو التبادر فهو في الجميع وإلَّا فلا، كما لعلَّه الأقرب، لا سيَّما إذا اعتبرنا الثَّناء على الله تعالى زيادةً على الحمد والاستغفار للمسلمين والمسلمات، فإنَّه يقوى حينئذٍ عدم اعتبار العربيَّة.

ثمَّ إنَّه لو قلنا باشتراط العربية، فما هو الحكم لو لم يفهم العددُ المعتبرُ -وهو الخمسة أو السبعة- العربيةَ، ولم يمكنه التعلُّم، فهل يجزِئ بالعجميَّة هذا ما سيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مدارك الأحكام: ج4، شرح ص32.
[2] جواهر الكلام: ج11، ص210.
[3] مدارك الأحكام: ج4، شرح ص32.
[4] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج4، ص138.
[5] صحيح ابن مسلم: ج3، ص13.
[6] جامع المقاصد (المحقق الكركي): ج2، ص396.
[7] ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: ج4، ص138.
[8] مدارك الأحكام: ج4، شرح ص35.
[9] جواهر الكلام: ج11، ص216.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=1601
  • تاريخ إضافة الموضوع : الأربعاء: 2-05-2018
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29