لا زال الكلام فيما أجاب به المحقق الهمداني (رحمه الله) عن مكاتبة الحميري.
وفيه: أنه لا وجه لتقديم الإطلاق في صحيحتي الحلبي وسُليمان بن خالد على الإطلاق في المكاتبة، إذ هما في مرتبة واحدة. نعم، لو كانت دلالة الصحيحتين بالعموم لأمكن القول بذلك، وأمَّا إذا كانت الدَّلالة بالإطلاق فلا فرق حينئذٍ بينهما وبين المكاتبة.
والإنصاف: أنَّه على تقدير العمل بالمكاتبة فيمكن حمل نفي الاعتداد فيها بالنسبة للفضيلة، لا الإجزاء، والله العالم.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وعلى ما قلناه لا يتحقَّق فوات الجمعة مع الشَّرائط إلَّا بخروج وقت الظّهر وعلى القولين الأخيرين تفوت وتبقى الظُّهر*
قد عرفت أنَّه على مبنى المصنِّف وابن إدريس (رحمهما الله) يبقى وقت الجمعة إلى ما قبل الغروب بمقدار أربع ركعات، بخلاف باقي الأقوال. وعليه: فلا يبقى وقت للظُّهر إذا فات وقت الجمعة على مبنى المصنِّف وابن إدريس (رحمهما الله)، بل يأتي بالظُّهر قضاءً خارج الوقت، وهذا بخلاف باقي الأقوال، فإنَّه إذا فات وقت الجمعة يأتي بالظُّهر في وقته. ثمَّ إنَّك قد عرفت ما هو الصَّحيح في المقام.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو صلَّى الظهر المكلَّف بها بطلت، ووجب عليه السَّعي، فإن أدركها وإلَّا أعاد، بخلاف غير المكلف بها*
المعروف بين الأعلام (رحمهم الله): أنَّه إذا وجبت الجمعة عيناً على المكلّف، ثمَّ صلَّى الظُّهر، كانت صلاته باطلة، لِعدم الأمر بها، ولم تسقط عنه الجمعة، بل يجب عليه السَّعي، فإن أدركها، وإلَّا أعاد الظُّهر، ولم يجتزئ بالأُولى، لما عرفت من عدم الأمر بها. وهذا كله واضح، بل هناك تسالم على ذلك، من غير فرق بين العمد والنسيان، ولا بين أن يظهر في نفس الأمر عدم كونه مكلَّفاً بالظُّهر أو لم يظهر.
نعم، لو ظهر في الأثناء أو بعد الفراغ كون ما صدر منه موافقاً لِتكليفه في الواقع، وعدم كونه حال التلبُّس به متمكناً من إدراك الجمعة، فالأظهر صحَّة صلاته لو صدرت نسياناً. ولا يضرّ في صحّة فِعْله المأتي به بداعي امتثال أمره الواقعي المتوجِّه إليه تكليفه في الظَّاهر بالسَّعي إلى الجمعة، لفرض أنَّ هذا التكليف مخالف للواقع.
قال صاحب المدارك (رحمه الله): «ولو لم تكن شرائط الجمعة مجتمعةً، لكن يرجو اجتماعها قبل خروجه، فهل يجوز له تعجيل الظُّهر والاجتزاء بها، وإن تمَّت الجمعة بعد ذلك، أم يجب الصَّبر إلى أن يظهر الحال، وجهان، أجودهما الثاني، لأنَّ الواجب بالأصل هو الجمعة وإنَّما يشرع فعل الظُّهر إذا علم عدم التمكُّن من الجمعة في الوقت»[1]. (انتهى كلامه)
أقول: الأجوديَّة مبنيَّة على كون شرعيَّة الظُّهر مشروطةً بعدم التمكُّن من الجمعة في ذلك اليوم، فما لم يحرز الشَّرط لا يتنجز التكليف بالشُّروط، وهو الظُّهر حتَّى يشرع فعله. ولكن يظهر من صحيحة الفضل بن عبد الملك قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: إذا كان قوم في قرية صلُّوا الجمعة أربع ركعات، فإن كان لهم من يخطب لهم جمعوا إذا كانوا خمس نفر ...»[2]. أنَّ عدم التمكُّن من الجمعة ليس شرطاً شرعيّاً لتنجُّز التكليف بالظٌّهر، بلِ اجتماع شرائط الجمعة يكون شرطاً شرعيّاً لتنجُّز التكليف بالجمعة. وعليه: فإذا شكّ في تحقُّق شرائط الجمعة ينفي وجوبها بالأصل، ويحرز بذلك تكليفه بالظُّهر. ومن المعلوم أيضاً عدم وجوب الفحص عن شرائط الوجوب وإنِ احتمل وجودها، كما لا يجب عليه تحصيلها، وهذا واضح.
هذا كلُّه إذا كان مكلّفاً بالجمعة على نحو الوجوب التعييني. وأمَّا إذا كان مكلّفاً بها تخييراً فلا إشكال حينئذٍ في صحّة صلاة الظُّهر في وقت الجمعة، والله العالم بحقائق أحكامه.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: أمَّا الصَّبي لو بلغ بعد فعل الظهر لم تجزئه، ووجبت الجمعة*
المعروف بين الأعلام (رحمهم الله): أنَّ الصَّبي لو صلَّى الظُّهر، ثمَّ بلغ، وجبت الجمعة إذا كان مكلّفاً بالجمعة تعييناً، ووجبت الجمعة أو الظُّهر إذا مكلَّفا بها تخييراً، لِعدم سقوط الواجب بغيره. ومن هنا ذكرنا سابقاً في مبحث الطَّهارة أنَّ الصَّبي إذا صلَّى قبل البلوغ، ثمَّ بلغ في الوقت أعاد صلاة الظُّهر، وكذا لو بلغ في أثناء الصَّلاة، فراجع، فإنَّه مهم[3].
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا يستحبّ لغير المكلّف بها تأخير الظُّهر إلى فراغ الجمعة*
ذكر جماعة من الأعلام أنَّه لا يستحبّ لغير المكلف بالجمعة تأخير الظُّهر إلى الفراغ من الجمعة، لأنَّ المبادرة إلى أوَّل الوقت أفضل ما لم يحصل معارض، ولا معارض هنا، والله العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مدارك الأحكام: ج4، شرح ص15.
[2] وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح6.
[3] مسالك النفوس إلى مدارك الدروس: كتاب الطهارة، ج1، ص592.
|