• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الرجال .
              • القسم الفرعي : علم الرجال والحاجة إليه / بحث الرجال .
                    • الموضوع : الدرس 03 _ علمي الرجال والدراية والحاجة إلى علم الرجال 3 .

الدرس 03 _ علمي الرجال والدراية والحاجة إلى علم الرجال 3

وأمّا الإجماع، فإنّ موارد الحجّة منه وهو الإجماع المحصّل والكاشف عن رأي المعصوم عليه السلام قليلة، بل الإنصاف أنّ الإجماع المحصَّل غير محصَّل. وأمّا الإجماع المنقول بالتواتر، فهو قليل جداً. وأمّا المنقول بخبر الواحد، فهو غير حجة كما عرفت في علم الأصول. وعلى فرض القول بحجّيته، فهو لا يفي إلاّ باليسير من الأحكام الشرعية.

وأمّا العقل، والمراد منه مدركات العقل العملي التي تستتبع جرياناً عملياً، فمواردها قليلة أيضاً، سواء المستقلاّت العقلية، وهي حسن العدل وقبح الظلم، أم غير المستقلات العقلية، كوجوب مقدّمة الواجب، واقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه، واجتماع الأمر والنهي، والإجزاء.

والسرّ في ذلك: أنّ العقل لا يكشف عن الحكم الشرعي إلاّ فيما إذا أحاط بالواقع، بحيث يحرز المصلحة التامّة الملزمة وعدم معارضتها بمفسدة تامّة ملزمة، وهذا إن حصل، فهو لا يحصل إلاّ نادراً.

وتوضيحه: إنّ مصالح الأحكام الشرعية المولويّة التي هي نفسها ملاكات أحكام الشارع، لا تندرج تحت ضابط نحن ندركه بعقولنا، إذ لا يجب فيها أن تكون هي بعينها المصالح العمومية المبني عليها حفظ النظام العام، التي هي ­ أي المصالح العمومية ­ مناطات الأحكام العقلية في مسألة التحسين والتقبيح العقليين.

وعلى هذا، فلا سبيل للعقل بما هو عقل إلى إدراك جميع ملاكات الأحكام الشرعية، فإذا أدرك المصلحة في شيء أو المفسدة في شيء آخر، ولم يكن إدراكه مستنداً إلى إدراك المصلحة أو المفسدة العاميتين اللّتين يتساوى في إدراكهما جميع العقلاء، فإنّه ­ أي العقل ­ لا سبيل له إلى الحكم بأنّ هذا المدرك يجب أن يحكم به الشارع على طبق حكم العقل، إذ يحتمل أنّ هناك ما هو مناط لحكم الشارع غير ما أدركه العقل، أو أنّ هناك مانعاً يمنع من حكم الشارع على طبق ما أدركه العقل، وإن كان ما أدركه مقتضياً لحكم الشارع، ولأجل هذا نقول: (إنّه ليس كلّ ما حكم به الشرع، يجب أن يحكم به العقل). ولعلّ هذا هو المقصود من قول الإمام زين العابدين عليه السلام: «إن دين الله عزّ وجلّ لا يصاب بالعقول...»[1].

فإذا عرفت أنّ كلّ من القرآن الكريم والإجماع والعقل لا يكفي إلاّ لاستنباط القليل من الأحكام الشرعية، فلا يبقى لدينا إلاّ الرجوع إلى الأخبار.

فأمّا الأخبار القطعية، سواء أكانت من جهة تواترها أم احتفافها بالقرائن القطعية، فهي بدورها قليلة، فنحتاج إلى الرجوع إلى خبر الواحد، إلاّ أنّه لمّا لم يكن كلّ خبر واحد حجّة، بل بعضه حجّة على اختلاف المباني، حيث ذهب بعضهم إلى حجّية خصوص الخبر الصحيح والحسن، كما هو مذهب صاحب المعالم وصاحب المدارك (رحمهما الله)، حتى أنّه لمّا عِيب على الأوّل بأنّه يلزم من الالتزام بهذا المبنى نقص الشريعة الإسلامية، لعدم وفاء الأخبار الصحيحة والحسنة بمعظم الأحكام الشرعية فضلاً عن جميعها، ألَّف كتابه (منتقى الجُمان في الصحيح والحسان)، وهو نعم الكتاب، إلاّ أنّ الأجل عاجله، فلم يكمله (عليه سحائب الرحمة).

بينما ذهب جماعة كثيرة إلى حجّية خبر الثقة، وهو الإنصاف كما حرّرناه في علم الأصول.

وذهب آخرون إلى حجّية خصوص الأخبار الموثوقة، أي التي يطمئنّ بصدورها وإن كان راويها ضعيفاً بالمعنى الاصطلاحي.

ومنهم من ذهب إلى أنّ الحجّية للأخبار الموثّقة والموثوقة معاً.

من هنا، كانت الحاجة إلى توصيف الأخبار لنميّز الحجّة عن اللاّحجّة بحسب اختلاف المباني، وذلك من خلال الرجوع إلى أوصاف الرواة لنعرف العدل منهم من غيره، والثقة منهم من غيره، وهذا لا يكون إلاّ عبر علم الرجال، ومن هنا دعت الحاجة إليه.

كما تبقى الحاجة إلى علم الرجال حتى بعد توصيف الأخبار وبيان الحجّة منها من اللاحجّة، وذلك كما لو تعارضت الأخبار المعتبرة، فهنا تنشأ حاجة أخرى، وهي معرفة الأعدل والأفقه والأوثق بين الرواة، وهذا بدوره يتوقّف على علم الرجال، لتمييز الأوثق والأعدل والأصدق عن غيرهم.

وقد ورد في مقبولة عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام: «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر»[2].

وقد ذكر جماعة من الأعلام أنّ هذه المقبولة وإن وردت في صفات القاضي، إلا أنّه يمكن تسرية الحكم إلى الرواة.

ولكنّنا بيَّنا في علم الأصول ضعف هذا الكلام، كما أنّ الرواية ضعيفة بعدم وثاقة ابن حنظلة.

وكذا يُحتاج إلى علم الرجال حتّى لو قلنا بعدم حجّية خبر الواحد، وذهبنا إلى الانسداد الكبير؛ أي انسداد باب العلم والعلمي، كما عن المحقق القمي، وبالتالي الذهاب إلى حجّية مطلق الظنّ ­ بناءً على أنّ نتيجة مقدّمات الانسداد الكشف ­ ما خلا المنهي عنه، كالقياس والاستحسان ونحوهما، أو التنزّل إلى الامتثال الظنّي بعد عدم إمكان الموافقة القطعية بناءً على الحكومة، وعلى الحالتين لا غنى عن علم الرجال لمعرفة صفات الرواة للوصول إلى الظنّ.

ومن هنا، قد اتضح لك أهمّية علم الرجال، ومدى الحاجة إليه، والغاية من دراسته، فهو الركيزة الأساسية لاستنباط الأحكام الشرعية من أوسع مداركها، وهي أخبار الآحاد.

أضف إلى ذلك، أنّه قد ثبت وجود العديد من الوضّاعين الذين عمدوا إلى دسّ الأكاذيب في كتب أهل البيت عليهم السلام، ولا مجال لمعرفة هؤلاء إلاّ عن طريق علم الرجال.

وقد دلّ على ذلك، صحيحة هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله عليهم السلام يقول: «لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق القرآن والسنّة، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة، فإنّ المغيرة بن سعيد (لعنه الله) دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنة نبينا (ص)، فإنا إذا حدثنا، قلنا قال الله عزّ وجلّ ، وقال رسول الله (ص)»[3].

ومنه خبر المفضل قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يوماً ­ ودخل عليه الفيض بن المختار، فذكر له آية من كتاب الله عزّ وجلّ يأوّلها أبو عبد الله عليه السلام ­ فقال له الفيض: جعلني الله فداك! ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟! قال: وأيّ الاختلاف يا فيض؟ فقال له الفيض: إنّي لأجلس في حَلَقِهِم بالكوفة فأكاد أن أشكّ في اختلافهم في حديثهم حتى أرجع إلى المفضل ابن عمر، فيوقفني من ذلك على ما تستريح إليه نفسي ويطمئنّ إليه قلبي، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أجل هو كما ذكرت يا فيض، إنّ الناس أولعوا بالكذب علينا، إنّ الله افترض عليهم لا يريد منهم غيره، وإنّي أحدّث أحدهم بالحديث فلا يخرج من عندي حتى يتأوّله على غير تأويله، وذلك أنّهم لا يطلبون بحديثنا وبحبّنا ما عند الله، وإنّما يطلبون الدنيا، وكلّ يحبّ أن يدعى رأساً، إنّه ليس من عبد يرفع نفسه إلا وضعه الله، وما من عبد وضع نفسه إلاّ رفعه الله وشرّفه، فإذا أردت حديثنا فعليك بهذا الجالس ­ وأومأ بيده إلى رجل من أصحابه ­ فسألت أصحابنا عنه، فقالوا: زرارة بن أعين»[4].

وكذا غيره من الأحاديث الكثيرة.

وممّا يؤكد ما قلناه، ما ذكره الشيخ الطوسي رحمه الله في كتاب (العدة)؛ قال: «إنّا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، ووثّقت الثقات منهم، وضعّفت الضعفاء، وفرّقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم، وذمّوا المذموم، وقالوا: فلان متّهم في حديثه، وفلان كذّاب، وفلان مخلِّط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها وصنّفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارستهم»[5].

وهي واضحة الدلالة على وجود المدلِّسين والوضّاعين، فنحتاج إلى علم الرجال للتمييز بينهم وبين الثقات.

 

[1] كمال الدين وتمام النعمة، باب 31 ح9.

[2] وسائل الشيعة، باب 9 من أبواب صفات القاضي، وما يجوز أن يقضي به، ح1.

[3] اختيار معرفة الرجال، ج2، ص489، ح401.

[4] بحار الأنوار، ج2، باب علل اختلاف الأخبار، ص246 ح58.

[5] عدّة الأصول، ج1، ص141.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2156
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 25-09-2014
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 30