• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الرجال .
              • القسم الفرعي : أقسام الخبر / بحث الرجال .
                    • الموضوع : الدرس 81 _ أقسام الخبر 1 .

الدرس 81 _ أقسام الخبر 1

أقسام الخبر

ذكرنا في أكثر من مناسبة، أنّ خبر الواحد هو العمدة في استنباط الأحكام الشرعية، حيث إنّ أغلب الأحكام جاءت عن طريق الأخبار، بينما جاء الباقي عن طريق سائر المدارك: وهي القرآن المجيد، والدليل العقلي، والاجماع.

وقد ذكرنا أيضاً، أنّ المعتبر عندنا من الأخبار هو خبر الثقة.

وذهب جماعة من الأعلام إلى أنّ المعتبر هو خصوص الأخبار الموثوقة، أي التي يطمئنّ بصدورها، وإن كان راويها ضعيفاً بالمعنى الاصطلاحي.

ومنهم من ذهب إلى أنّ الحجّية هي للأخبار الموثّقة والموثوقة معاً.

ومهما يكن، فلسنا الآن في صدد حجّية الخبر، فإنّه قد تعرّضنا لهذا البحث في علم الأصول.

وإنّما نتعرّض هنا لأقسام الخبر. وهي وإن كانت كثيرة إلاّ أنّنا نقتصر فيها على ما يتعلّق بأحوال الرواة، أي ما يرجع إلى السند.

والمعروف أنّ أقسام الخبر عند المتأخرين أربعة: هي الصحيح، والحسن، والموثّق، والضعيف.

وقبل البدء في ذلك، يحسن بنا التعرّض إلى سبب ومنشأ هذه التقسيمات عند المتأخرين، إذ المعروف أنّ هذه التقسيمات لم تكن عند المتقدّمين، بل المعروف عندهم أنّ الخبر على قسمين: إمّا صحيح، أو غير صحيح.

والصحيح عندهم يطلق على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه.

يقول الشيخ البهائي رحمه الله: «في مشرق الشمسين: هذا الاصطلاح لم يكن معروفاً بين قدمائنا رحمهم الله كما هو ظاهر لمن مارس كلامهم، بل كان المتعارف بينهم إطلاق الصحيح على كلّ حديث اعتضد بما يقتضي اعتمادهم عليه أو اقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه وذلك لأمور:

منها: وجود الخبر في كثير من الأصول الأربعمائة التي نقلوها عن مشايخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة عليه السلام، وكانت متداولة لديهم في تلك الأعصار، مشتهرة فيما بينهم اشتهار الشمس في رابعة النهار.

ومنها: تكرره في أصل أو أصلين منها فصاعداً بطرق مختلفة وأسانيد عديدة معتبرة.

ومنها: وجوده في أصل معروف الانتساب إلى أحد الجماعة الذين أجمعوا على تصديقهم، كزرارة، ومحمد بن مسلم، والفضيل بن يسار، أو على تصحيح ما يصحّ عنهم، كصفوان بن يحيى، ويونس بن عبد الرحمن، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، أو على العمل بروايتهم، كعمار الساباطي، ونظرائه ممّن عدّهم شيخ الطائفة في كتاب العدة، كما نقله عنه المحقق في بحث التراوح من المعتبر.

ومنها: اندراجه في الكتب التي عرضت على أحد الأئمة عليهم السلام، فأثنوا على مؤلفها، ككتاب عبيد الله الحلبي الذي عرض على الصادق عليه السلام، وكتاب يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان المعروضين على العسكري عليه السلام.

ومنها: أخذه من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها، سواء كان مؤلفوها من الفرقة الناجية الإمامية، ككتاب الصلاة لحريز بن عبد الله السجستاني، وكتب بني سعيد وعلي بن مهزيار، أو من غير الإمامية، ككتاب حفص بن غياث القاضي والحسين بن عبيد الله السعدي، وكتاب القبلة لعلي بن الحسن الطاطري.

وقد جرى رئيس المحدثين محمد بن بابوية رحمه الله على متعارف المتقدمة في إطلاق الصحيح على ما يركن إليه ويعتمد عليه، فحكم بصحّة جميع ما أورده من الأحاديث في كتاب من لا يحضره الفقيه، وذكر أنّه استخرجها من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع، وكثير من تلك الأحاديث بمعزل عن الاندراج في الصحيح على مصطلح المتأخرين، ومنخرط في سلك الحسان والموثقات، بل الضعاف.

وقد سلك على هذا المنوال جماعة من أعلام الرجال، فحكموا بصحّة حديث بعض الرواة غير الإمامية كعلي بن محمد بن رباح وغيره، لما لاح لهم من القرائن المقتضية للوثوق بهم والاعتماد عليهم، وإن لم يكونوا في عداد الجماعة الذين انعقد الاجماع على تصحيح ما يصحّ عنهم. والذي بعث المتأخرين رحمهم الله على العدول عن متعارف القدماء، ووضع ذلك الاصطلاح الجديد، هو أنّه لمّا طالت المدّة بينهم وبين الصدر السالف، وآل الحال إلى اندراس بعض كتب الأصول المعتمدة، لتسلّط حكّام الجور والضلال والخوف من إظهارها واستنساخها، وانضمّ إلى ذلك اجتماع ما وصل إليهم من كتب الأصول في الأصول المشهورة في هذا الزمان (الكتب الأربعة)، فالتبست الأحاديث المأخوذة من الأصول المعتمدة بالمأخوذة من غير المعتمدة، واشتبهت المتكرّرة في كتب الأصول بغير المتكرّرة وخفي عليهم رحمهم الله كثير من تلك الأمور التي كانت سبب (وقوع) وثوق القدماء بكثير من الأحاديث، ولم يمكنهم الجري على أثرهم في تمييز ما يعتمد عليه ممّا لا يركن إليه، فاحتاجوا إلى قانون تتميز به الأحاديث المعتبرة عن غيرها، والموثوق بها عمّا سواها، فقرّروا لنا ذلك الاصطلاح الجديد، وقرّبوا إلينا البعيد، ووصفوا الأحاديث الواردة في كتبهم الاستدلالية بما اقتضاه ذلك الاصطلاح من الصحّة والحسن والتوثيق. وأوّل من سلك هذا الطريق من علمائنا المتأخرين شيخنا العلامة جمال الحق والدين الحسن بن المطهر الحلّي.

ثمّ إنّهم رحمهم الله ربّما سلكوا طريقة القدماء في بعض الأحيان، فيصفون مراسيل بعض المشاهير كابن أبي عمير وصفوان بن يحيى بالصحّة، لما شاع من أنّهم لا يرسلون إلاّ عمّن يثقون بصدقه، بل يصفون بعض الأحاديث ­ التي في سندها من يعتقدون أنّه فطحي أو ناووسي ­ بالصحّة نظراً إلى اندراجه فيمن أجمعوا على تصحيح ما يصحّ عنهم.

وعلى هذا جرى العلامة رحمه الله في المختلف، حيث قال في مسألة ظهور فسق إمام الجماعة: (إنّ حديث عبد الله بن بكير صحيح).

وفي الخلاصة، حيث قال: إنّ طريق الصدوق إلى أبي مريم الأنصاري صحيح وإن كان في طريقه أبان بن عثمان، مستنداً في الكتابين إلى إجماع العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه.

وقد جرى شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله على هذ المنوال أيضاً، كما وصف في بحث الردة من شرح الشرائع حديث الحسن بن محبوب عن غير واحد بالصحّة. وأمثال ذلك في كلامهم كثير فلا تغفل»[1]. انتهى

وإنّما نقلناه بتمامه لما فيه من بيان مفصّل عن سبب حدوث هذا الاصطلاح عند المتأخرين.

 

[1] مشرق الشمسين، البهائي العاملي، ص269 ­ 270.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2163
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 23-03-2017
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 30