• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مقدمات علم الأصول / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 55 _ مقدمات علم الاصول 55 .

الدرس 55 _ مقدمات علم الاصول 55

عدم تداخل البحث الأصولي مع البحث المنطقي:

حاصل هذه المسألة: إنّه قد يتوهّم تداخل كلّ من البحث الأصولي والمنطقي بالنسبة للمشتق، والحال عدم تداخلهما؛ ذلك أنّنا في الأصول نبحث عن كون المشتق هل هو موضوع لخصوص الذات المتلبسة بالمبدأ، أم للأعمّ من المتلبسة به ومن انقضى عنها؟

أمّا في المنطق، فإنَّ البحث عن كون الوصف العنواني للموضوع المسمّى بعقد الوضع، هل يكفي فيه إمكان الاتصاف في صحّة الحمل، كما عن المعلّم الثاني أبي نصر الفارابي، أم لا بدّ من الاتصاف الفعلي، كما عن الشيخ الرئيس أبي علي سينا؟

وبعبارة أخرى: هل يكفي الإمكان في اتصاف الموضوع بالعنوان في القضايا الموجَّهة؛ أي بأن يكون لها الاستعداد والقابلية للاتصاف بالعنوان، أم تعتبر الفعلية ووجود العنوان في إحدى الأزمنة الثلاثة، وإلا فلا يصحّ الحمل؟

والخلاصة: إنَّ كلام الفارابي وابن سينا إنَّما هو في أنَّ المحمول الذي يكون موجَّها بإحدى الجهات من الضرورة والإمكان والفعلية، هل يصحّ حمله على موضوع لم يتلبس بالوصف العنواني في زمان من الأزمنة، إلا أنَّه ممكن التلبس، أم أنَّه لا يصحّ إلا إذا تلبس به في إحدى الأزمنة؟ مثلاً إذا قلنا: (كل أسوَد كذا)، فعلى رأي الشيخ الرئيس، إنَّ الحكم بالكذائية على كلّ ما اتصف بالسواد في إحدى الأزمنة الثلاثة، بينما على مذهب المعلِّم الثاني، إنَّ الحكم بالكذائية على كلّ ما أمكن اتصافه بالسواد، ولو لم يتصف به في زمن أصلاً، فعلى مذهبه يشمل الحكم الروميين البيض، ولا يشملهم على مذهب الشيخ الرئيس.

ثم لا يخفى عليك أنَّ المراد بالإمكان، ما يقابل الامتناع، ومن هنا يتضح أنَّ قولك: (كلّ كاتب متحرك الأصابع)، يكون البحث أصولياً عن أنَّه هل المراد بالكاتب خصوص الذات المتلبسة بمبدأ الكتابة، أم الأعم منها ومن التي انقضى عنها المبدأ؟ بينما في المنطق يبحث عن أنَّه هل يشترط في صحّة الحمل على الموضوع أن يكون الوصف العنواني للموضوع، ثابتاً بالفعل أم لا؟

 

 المبحث السادس

عدم الأصل اللفظي

والعملي في مسألة المشتق

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): «سادسها: إنه لا أصل في نفس هذه المسألة يعوَّل عليه عند الشك، وأصالة عدم ملاحظة الخصوصية، مع معارضتها بأصالة عدم ملاحظة العموم، لا دليل على اعتبارها في تعيين الموضوع له، وأما ترجيح الاشتراك المعنوي على الحقيقة والمجاز. إذا دار الأمر بينهما لأجل الغلبة، فممنوع، لمنع الغلبة أولا، ومنع نهوض حجة على الترجيح بها ثانياً».

يبحث (رحمه الله) هنا عن أنَّه لو فرضنا أن لا دليل على كون المشتق موضوعاً لخصوص الذات المتلبسة بالمبدأ، أو للأعم، فهل ثمّة أصل لفظي على تعيين أحدهما حين الشك؟ وإنَّما عرفنا أنَّه يريد خصوص الأصل اللفظي هنا؛ لقوله بعد ذلك: «وأما الأصل العملي».

ثمَّ إنَّه لا يخفى أنَّه لا يوجد أصل لفظي يعوَّل عليه عند الشك.

فإن قلتَ: لماذا لا نتمسك بأصالة عدم ملاحظة خصوصية التلبس؛ حيث إنَّ الواضع حينما يضع لفظاً مشتقاً لمعنى من المعاني، فالأصل عدم ملاحظته لخصوصية التلبس.

قلنا: أوَّلاً: هذا الأصل المدّعى معارض بأصل عدم ملاحظة الأعم أيضاً.

ثانياً: إنَّما تجري الأصول العقلائية في حالات الشك في المراد، كما نبّهنا على ذلك في أكثر من مناسبة. وقد ذكرنا سابقاً أنَّه لو أتى متكلم بلفظ عام، فشككنا هل مراده العموم أم لا، فنجري أصالة العموم.

وأمّا لو كان الشك في كيفية الإرادة، فلا يجري الأصل العقلائي؛ كما لو قال أحد: (رأيت أسداً في الحمام)، وعلمنا أنَّ مراده الرجل الشجاع، ولكنَّنا شككنا هل إرادته للشجاع حقيقة أم مجاز؟ وهذا من ذاك؛ فإنَّ الشك في أنَّ الواضع هل يلحظ خصوصية التلبس حين الوضع أم لا، شك في كيفية الإرادة لا في المراد.

هذا إذا كان المراد من أصالة عدم ملاحظة خصوصية التلبّس هو الأصل العقلائي، كما هو الظاهر.

وأمّا إذا كان المراد من الأصل هو الاستصحاب؛ أي استصحاب عدم ملاحظة خصوصية التلبس.

فأوّلاً: هو غير جارٍ هنا؛ إذ لا أثر شرعي من جريانه، وإنَّما أثره إثبات ضده، وهو أنَّ المشتق موضوع للأعم، وهذا لازم عقلي وأصل مُثبِت، فلا يُثبِت.

وثانياً: مع قطع النظر عن ذلك، فإنَّ هذا الاستصحاب معارض باستصحاب عدم ملاحظة الأعم.

إن قلتَ: إنَّ الأمر يدور بين الحقيقة والمجاز، وبين المشترك المعنوي؛ إذ لو كان الوضع لخصوص المتلبس بالمبدأ، لكان استعمال المشتق في الأعمّ مجازاً، بينما لو كان الوضع للأعمّ من المتلبس ومن انقضى عنه التلبس، لكان اشتراكاً معنوياً.

وعليه، فإن كان الأمر يدور بين الحقيقة والمجاز وبين الاشتراك المعنوي، فيقدم الاشتراك المعنوي لأنَّه الغالب.

قلنا: أوّلاً: هذه الغلبة لم تثبت، بل لعلّ الثابت هو غلبة المجاز على الاشتراك المعنوي، وليس العكس.

ثانياً: لو سلّمنا بالغلبة، ولكن لا دليل على الترجيح بها، إلا أنَّها تفيد الظن، وهو لا يغني من الحق شيئاً؛ إذ لا حجّية له إلا في موارد منصوصة، وهذا ليس منها.

والخلاصة: إنَّه ما من أصل لفظي على تعيين أحدهما حال الشك.

ثمَّ قال (رحمه الله): «وأما الأصل العملي فيختلف في الموارد، فأصالة البراءة في مثل (أكرم كلّ عالم) يقتضي عدم وجوب إكرام ما انقضى عنه المبدأ قبل الإيجاب، كما أنَّ قضية الاستصحاب وجوبه لو كان الإيجاب قبل الانقضاء».

بعد بيان أنَّه لا أصل لفظي على تعيين أحدهما حال الشك، نسأل: ما هو الأصل العملي في المقام؟

يقول صاحب الكفاية: إنَّ الموارد تختلف؛ ففي قولك: (أكرم كلّ عالم)، إن كان زيد عالماً، ثمَّ انقضى عنه المبدأ قبل إيجاب الإكرام، فشككنا بأنَّه هل المشتق موضوع لخصوص المتلبس أم لا؟ فهنا تجري البراءة للشك في الوجوب.

أمّا لو فرضنا أنَّ الانقضاء حصل بعد الإيجاب ولكن قبل الامتثال، وشككنا في وضعه لخصوص المتلبس بالمبدأ أم للأعم، فهنا لا يكون الشك في أصل التكليف، وإنَّما الشك في سعته وضيقه؛ للشك في كيفية الوضع، فنستصحب الوجوب الثابت قبل الانقضاء.

والإنصاف: أنَّه لا فرق بين الموردين، وإنَّما تجري البراءة في كليهما. أمّا في الأول، فجريان البراءة واضح، وأمّا في الثاني، فعلى مبنانا لا يجري الاستصحاب؛ لأنَّه استصحاب للحكم الكلّي؛ إذ الشك في السعة والضيق، وهو معارَض باستصحاب عدم الجعل، فتجري البراءة أيضاً.

وأمّا على مبنى المشهور القائل بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلية، فلا يجري؛ لأنَّه إنَّما يجري لديهم استصحاب الحكم الكلي إذا كان مفهوم موضوع الحكم واضحاً؛ كمفهوم الحيض مثلاً؛ فلو شككنا بجواز الوطء بعد انقطاع الدم وقبل الغسل، نستصحب عدم جواز الوطء، بناءً على جريان استصحاب الحكم الكلي.

أمّا لو لم يكن المفهوم واضحاً فلا يجري استصحاب الحكم لديهم؛ كما لو كان الإنسان صائماً، وشكّ في مفهوم الغروب، هل هو سقوط القرص أم ذهاب الحمرة المشرقية؟ فإذا سقط القرص ولم تكن الحمرة المشرقيّة قد ذهبت، يشك في بقاء الوجوب، فلا يمكنه استصحاب الحكم؛ لعدم إحراز الموضوع، وهو النهار، ولا بدّ من اتحاد القضية المتيقّنة والمشكوكة في صحة الاستصحاب، وعليه فتجري البراءة.

إن قلتَ: لمَ لا نستصحب الموضوع نفسه؟

قلنا: إنَّما يجري الاستصحاب حال الشك، ولا شكّ لدينا فيما يتعلّق بالموضوع؛ لأنَّنا نقطع بسقوط القرص، كما نقطع ببقاء الحمرة المشرقية، فلا شك لدينا من جهة الحادث الزمني، وإنَّما نشكّ في مفهوم الغروب.

والخلاصة: إذا عرفت ذلك، نعود إلى مثالنا، فنقول: إنَّ استصحاب حكم وجوب إكرام زيد بعد انقضاء العالمية عنه قبل الامتثال، لا يمكن جريانه؛ لأنّنا لم نحرز بقاء موضوعه؛ إذ إنّنا نشك هل المشتق موضوع لخصوص المتلبس؛ فيكون الموضوع منتفياً، أم أنَّه موضوع للأعم، فيكون الموضوع باقياً.

وأمّا استصحاب الموضوع، فلا يجري أيضاً؛ لعدم الشك؛ إذ نعلم أنَّه كان صائماً، ونعلم الآن بزوال المبدأ، فأين الشك في الموضوع؟! نعم نشك في مفهوم المشتق، وهذا شيء آخر.


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2440
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 31-01-2013
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 04 / 30