والجواب: قلنا سابقاً إنّ العلم بالملاك في متعلّق الحكم يتوقف على الأمر المتعلّق به؛ إذ لولاه لما علمنا باشتمال المتعلق على الملاك.
وبناءً عليه، ما قاله الميرزا من لابدّية إحراز الملاك في المتعلّق حتى يصح الأمر به، في غير محلّه؛ لأنّ العلم بالملاك متوقف على الأمر به، فلو توقف الأمر بالمتعلق على العلم بالملاك، للزم الدور.
والإنصاف: أنّه لا فرق في صحة الترتب بين أن يكون الواجب مشروطاً بالقدرة عقلاً أو مشروطاً بها شرعاً، والوجه في صحة الترتب كما سيأتي إن شاء الله تعالى هو أنّ تعلق الأمر بالمهم على تقدير عصيان الأمر بالأهمّ لا يقتضي طلب الجمع بين الضدين ليكون محالاً، بل يقتضي الجمع بين الطلبين في زمان واحد، ولا محذور فيه إذا كان المطلوب في أحدهما مطلقاً وفي الآخر مقيّداً بعدم الإتيان به، ومترتباً عليه على نحو لو تمكّن المكلّف من الجمع بينهما في الخارج لم يقعا على صفة المطلوبية.
وعليه، لا فرق فيه بين أن تكون القدرة مأخوذة في المهمّ عقلاً أو شرعاً؛ إذ الكاشف عن الملاك هو الأمر مطلقاً؛ أي سواء كانت القدرة شرعية أم عقلية، وبما أنّ الأمر موجود على نحو الترتب، فلا إشكال بإتيان المهم بقصد امتثال أمره.
أدلة صحة الترتب:
بعد الفراغ من ذكر المقدمات التي لا بدّ منها لمعرفة القول بالترتب من القول بعدمه، نشرع في بيان أدلّة صحة الترتب على خلاف ترتيب صاحب الكفاية الذي شرع في أدلّة امتناعه.
الدليل الأول: (الدليل الإنّي)
هذا هو الدليل الإنّي على صحّة الترتب، وهو أنّ وقوع الترتب لدى العرف والشرع أكبر شاهد على إمكانه.
أمّا وقوعه لدى العرف؛ فمثاله ما يقوله الآباء عادةً لأبنائهم: (اذهب إلى المدرسة، فإن لم تفعل اذهب إلى العمل)، فإنّ المفهوم من هكذا عبارات أنّ المأمور مكلّف بالذهاب إلى المدرسة أوّلاً، وأنّ الذهاب إلى العمل مترتّب على ترك الذهاب إلى المدرسة، لا أنّه مخيّر بدواً بينهما. وكذا غيره من الأمثلة العرفية.
أمّا أمثلته لدى الشرع فكثيرة:
ومنها: ما لو فرض حرمة الإقامة على المسافر، فلو فرض أنّه عصى هذا الخطاب وأقام، فلا إشكال في وجوب الصوم عليه إذا كانت الإقامة قبل الزوال وقبل تناول المفطر، وعليه يكون مخاطباً بحرمة الإقامة ووجوب الصوم، ولكن على نحو الترتب؛ يعني أنّ وجوب الصوم يكون مترتباً على عصيانه حرمة الإقامة.
ومنها: ما لو فرض وجوب الإقامة على المسافر، فيكون وجوب القصر عليه مترتباً على عصيان وجوب الإقامة؛ حيث إنّه لو عصى ولم يقصد الإقامة توجّه إليه خطاب القصر، وكذا لو فرضت حرمة الإقامة؛ فإنّ وجوب التمام يكون مترتباً على عصيان حرمة الإقامة.
ومنها: وجوب الخمس المترتب على عصيان خطاب أداء الدين إذا لم يكن الدين من عام الربح. وأمّا إذا كان من عام الربح، فيكون خطاب أداء الدين بنفس وجوده رافعاً لخطاب الخمس، لا بامتثاله.
وتوضيحه: إنّ الخطاب الرافع لموضوع خطاب آخر، إمّا أن يكون بنفس وجوده رافعاً؛ كخطاب أداء الدين إذا كان من عام الربح لا من العام الماضي سواء كان الدين قبل ظهور الربح أو بعده على مبنى المشهور أو بعده على مبنانا والسرّ فيه هو ارتفاع موضوع وجوب الخمس الذي هو عبارة عن فاضل المؤنة؛ فإنّ نفس التكليف بالأداء يوجب جعل متعلّقه من المؤن، فيخرج الربح عن كونه فاضل المؤنة، وأخرى يكون بامتثاله رافعاً لموضوع خطاب المهم، لا بوجوده؛ كما إذا كان الدين من العام الماضي، فأداؤه وامتثاله يكون رافعاً لموضوع الخمس، لا نفس اشتغال الذمّة به. وعليه، فإذا لم يؤدّ الدَّين حتى حال عليه الحول، فيتوجّه إليه حينئذٍ الخطاب بوجوب تخميسه، وهذا بخلاف الصورة الأولى؛ لو كان الدين من عام الربح، فإنّه يستثنى له مقدار الدَّين وإن حال عليه الحول.
والخلاصة: إنّ وقوع الترتب عرفاً وشرعاً أكبر دليل على إمكانه وصحته.
|