• الموقع : موقع سماحة اية الله الشيخ حسن الرميتي .
        • القسم الرئيسي : بحث الاصول .
              • القسم الفرعي : مبحث الأوامر / بحث الاصول .
                    • الموضوع : الدرس 187 _ المقصد الأول في الاوامر 119 .

الدرس 187 _ المقصد الأول في الاوامر 119

والجواب: تقدّم معنا أنّ دعوى تعلّق الأوامر والنواهي بالأفراد الخارجية بحيث تكون العوارض الخارجية داخلة في متعلّقها في غير محلّها؛ ذلك أنّ ما يشخّص الجوهر هو وجوده نفسه وليس عوارضه، وإلا لدار أو تسلسل على ما تقدم.

ثمّ إنّ هذه العوارض وإن كانت قائمة بفردها، إلا أنّ لها وجودات مستقلة وماهيات متغايرة، ولا يعقل أن تكون وجودات الماهيات المتغايرة مشخصة لوجود فرد واحد.

هذا بالإضافة إلى ما ذكرناه من أنّه إن كانت الأوامر والنواهي متعلّقة بالأفراد، لا يخلو إن كانت الأفراد موجودة، يكون الأمر بها تحصيلاً للحاصل، وإن لم تكن موجودة، فلا تكون متشخّصة، فيلزم حينئذٍ وجود العارض، وهو الأمر أو النهي، بلا معروض، وهو الفرد، وهو غير ممكن.

فالنتيجة: أنّ العوارض ليست مشخّصة للجوهر، وإنّما أطلق عليها (مشخصات) مجازاً، فلا تكون داخلة في متعلّق الأوامر والنواهي.

وعليه، ينحصر تعلّق الأوامر والنواهي بالطبائع دون الأفراد، فتنتفي الثمرة المدعاة.

نعم، بناءً على سراية الحكم من الملازم إلى ملازمه ­ وقد نفيناه سابقاً( ) ­ فحينئذ تجب لوازم الصلاة بوجوبها، ومن ضمنها الغصب، كما تحرم لوازم الغصب، ومن ضمنها أفعال الصلاة، فيجتمع الوجوب والنهي على شيء واحد، وهو محال.

والإنصاف: أنّ الأوامر والنواهي تتعلّق بالطبائع؛ أي بالعناوين، وهي الصورة الذهنية، ولكن لا بقيد وجودها الذهني وإلا لم تكن قابلة للامتثال، بل بما هي مرآة للخارج وحاكية عن مصاديقها الخارجية، حتى كأنّ هذه الصور هي عين الخارج. وكذلك هي الحال بالنسبة للصفات النفسانية والتي هي أمور حقيقية قائمة في صقع النفس؛ كالعلم، فإنّ له إضافة للنفس العالمة، وإضافة لمتعلّق العلم، وهو المعلوم، فيكون العلم متعلقاً بصورة المعلوم الحاكية عن واقعه.

كما يشهد لذلك ملاحظة الجاهل المركّب الذي يعتقد بوجود شيء بالقطع المخالف للواقع، فيطلبه ويريده، أو يخبر بوجوده؛ إذ نقول بأنّه لولا ما ذكرنا من تعلّق الصفات المزبورة بالعناوين والصور الذهنية بما هي ملحوظة خارجاً، يلزم خلوّ الصفات المزبورة عن المتعلق في مثل الفرض المزبور، فإنّه بعد مخالفة قطعه للواقع لا يكون في البين شيء تعلقت به تلك الصفات مع أنّ ذلك من المستحيل.

أمّا ما ذكره السيد الخوئي R من أنّ النزاع حول تعلق الأوامر والنواهي بالطبائع أو الأفراد مردّه إلى القول بوجود الكلّي الطبيعي خارجاً وعدم وجوده، فإن كان موجوداً يكون الأمر متعلقاً بالطبيعة، وإن لم يكن موجوداً يتعلّق الأمر حينئذٍ بالفرد، فلا يندفع الإشكال الذي ذكرناه من حيث لزوم طلب تحصيل الحاصل سواء تعلق الأمر بالفرد أو الطبيعة الموجودة بالوجود السَّعي المعبَّر عنه بالوجود الساري.

 تعلّق الأمر والنهي بالطبيعة:

هذا هو تمام البحث، وبقي شيء لا بأس بالإشارة إليه هنا، وهو الفرق بين تعلق الأمر بالطبيعة، وتعلّق النهي بها. فإنّ الأوّل يكون على نحو صرف الوجود، والثاني يكون المطلوب فيه ترك جميع الأفراد؛ فلو أمر الشارع وقال: (صلِّ)، فمعناه أنّ المطلوب فرد واحد من طبيعي الصلاة، بينما لو نهى وقال: (لا تسرق)، فمعناها اترك كل أفراد طبيعي السرقة؛ إذ المراد إعدام كل أفراد متعلق النهي. وسيأتي توضيح ذلك إن شاء الله تعالى مع بيان السرّ في كون المطلوب بالأوامر صرف الوجود، والمطلوب في النهي إعدام جميع أفراد الطبيعة التي تعلق بها النهي.

  الفصل الثامن دلالة النسخ على الجواز

قال صاحب الكفاية R: «فصل: إذا نسخ الوجوب فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ، على بقاء الجواز بالمعنى الأعم، ولا بالمعنى الأخص، كما لا دلالة لهما على ثبوت غيره من الأحكام، ضرورة أن ثبوت كل واحد من الأحكام الأربعة الباقية بعد ارتفاع الوجوب واقعاً ممكن، ولا دلالة لواحد من دليلَي الناسخ والمنسوخ ­ بإحدى الدلالات ­ على تعيين واحد منها...».

هذا البحث معروف بين الأصوليين، وهو أنّه إن كان ثمّة واجب ثابت في الشريعة، ثمّ نُسخ، هل يدل دليل الناسخ أو المنسوخ على الجواز ­ أي على جواز فعل متعلق الواجب المنسوخ ­ أم لا؟

أمّا النسخ، فهو عبارة عن انتهاء الحكم بانتهاء أمده؛ أي إنّ الحكم لم يُجعل من أوّل الأمر إلى الأبد، وإنّما جعل إلى فترة زمنية محدودة حسب اقتضاء المصلحة، فإذا انتهى الأمد انتفى الحكم، ومن هنا كان التعبير بارتفاع الحكم بانتهاء أمده تعبيراً مجازياً؛ إذ لا يوجد في الواقع رفع، بل هو دفع كما لا يخفى. نعم، بحسب مقام الإثبات يكون رفعاً؛ حيث ظاهر الأدلة ذلك. ومن هنا يتضح لك أنّ ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه لا يكون نسخاً؛ مثلاً: إذا لم يوجد مستطيع للحج في الخارج، لا يكون الوجوب فعلياً، ويكون مرتفعاً عن المكلفين، ولكن هذا الحكم لا زال موجوداً في الشريعة الإسلامية، ولم ينسلخ عن دفتر التشريع، وكذا غيره من الأمثلة.

ثمّ إنّه قبل الكلام عن كون دليل الناسخ أو المنسوخ يدلّ على الجواز أو لا يدلّ، نذكر لك بعض الأمثلة للنسخ؛ إذ لسنا الآن بصدد استقصاء كل الأحكام المنسوخة.

فمن جملة الأحكام المنسوخة: وجوب الصلاة إلى بيت المقدِس؛ ففي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله N، قال: «سألته هل كان رسول الله C يصلّي إلى بيت المقدس؟ قال: نعم، فقلت: أكان يجعل الكعبة خلف ظهره؟ فقال: أمّا إذا كان بمكة فلا، وأمّا إذا هاجر إلى المدينة فنعم، حتى حول إلى الكعبة»( ).

وقال الشيخ الصدوق R: «وصلّى رسول الله C إلى بيت المقدس بعد النبوة ثلاث عشرة سنة بمكة وتسعة عشر شهراً بالمدينة، ثمّ عيَّرته اليهود...»( ).

ثمّ إنّ هذا الحكم قد نسخ بحكم آخر، وهو وجوب الصلاة إلى المسجد الحرام؛ قالL: «قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ »( ).

ومنها: وجوب اعتداد المتوفّى عنها زوجها حولاً كاملاً؛ قالL: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ »( )، فقد نسخ بحكم آخر، وهو وجوب اعتدادها أربعة أشهر وعشرة أيام؛ قالL: «وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا »( ).

ومنها: وجوب حبس المرأة الزانية إلى أن تموت؛ قالL: «وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ »( )، فقد نسخ بحكم آخر، وهو جلدها مائة جلدة إن لم تكن محصنة؛ قالL: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ »( ).


  • المصدر : http://www.al-roumayte.com/subject.php?id=2573
  • تاريخ إضافة الموضوع : الخميس: 16-01-2014
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29