الدرس 210 / الثلاثاء: 15 تشرين2 2022
ومنها: رواية عُبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنَّه قال في رجلٍ تصدَّق على ولدٍ له قد أدركوا، قَاْل: إذا لم يقبضوا حتَّى يموت فهو ميراث، فإنْ تصدَّق على مَنْ لم يدرك من ولده فهو جائز؛ لأنَّ الوالد هو الذي يلي أمره، وقَاْل: لا يرجع في الصَّدقة إذا تصدَّق بها ابتغاء وجه الله»([1])، ولكنَّها ضعيفة؛ لعدم وثاقة القاسم بن سُليمان.
وقدِ استدلّ الأعلام بهذه الرِّوايات أيضاً في باب الوقف، وقد اشترطوا القبض فيه؛ باعتبار أنَّ الصَّدقة أعمّ، فتشمل الوقف.
ولكن سيأتي الكلام إن شاء الله تعالى عن اشتراط القبض في الوقف.
ومن جملة الرِّوايات المستدلّ بها على اشتراط القبض في الصَّدقة: صحيحة عليِّ بن جعفر المرويّة في كتاب عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) «قِال: سألتُه عن الصَّدقة إذا لم تقبض، هل تجوز لصاحبها؟ قَاْل: إذا كان أبٌ تصدَّق بها على ولد صغير، فإنَّها جائزةٌ؛ لأنّه يقبض لولده إذا كان صغيراً، وإذا كان ولداً كبيراً فلا يجوز له حتَّى يقبض»([2]).
الأمر السَّابع: ذكر جماعة من الأعلام أنَّه يُشترط أن يكون القبض بإذن المالك حتَّى يتحقَّق الإقباض، الَّذي هو بمعنى القبض بالإذن.
وقد ذكروا أنَّ الدَّليل على اشتراط كونه بإذنه ليس هو النَّهي عن القبض بدون إذنه؛ إذ هو معاملة، فلا ينافي ترتّب أثره عليه كونه محرّماً، بل لكون الشَّرط وهو الإقباض دليله الإجماع، ومن المعلوم أنَّه لا يحصل الإقباض بدون الإذن.
وفيه: أنَّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجةٍ.
وعليه، فلا دليل على اشتراط الإقباض، بل يكفي مجرّد القبض، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وإن كان بالفعل(1)
(1) كما تقدَّم، فلا حاجة للإعادة.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولا بدّ فيها من نيّة القربة(2)
(2) الأمر الثَّامن: هل يُشترط فيها نيّة القربة أم لا؟
المعروف بين الأعلام قديماً وحديثاً أنَّه يُشترط فيها نيّة القربة، وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه...».
أقول: تسالم الأعلام قديماً وحديثاً على اشتراط نيّة القربة فيها، بلِ الظَّاهر أنَّ نيّة القربة من مقوّمات الصَّدقة المستحبَّة.
ثمَّ إنَّه يدلّ على ذلك مضافاً إلى التَّسالم بينهم جملة من الرِّوايات:
منها: حسنة حمَّاد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا صدقة، ولا عِتْق إلاَّ ما أُرِيد به وجه الله (عز وجل)»([3]).
ومنها: حسنة الفضلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا صدقة، ولا عِتْق إلاَّ ما أُرِيد به وجه الله (عز وجل)»([4]).
ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قَاْل: لا يرجع في الصَّدقة إذا ابتغى بها وجه الله (عز وجل)»([5]).
ومنها: رواية الحكم بن أبي عقيلة «قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): إنَّ والدي تصدَّق عليَّ بدار، ثمَّ بدا له أن يرجع فيها، وإنَّ قضاتنا يقضون لي بها، فقال: نِعمَ ما قضت به قضاتكم، وبئس ما صنع والدُك، إنَّما الصَّدقة ﷲ (عز وجل)، فما جُعل ﷲ (عز وجل)فلا رجعة له فيه، فإن أنت خاصمته فلا ترفع عليه صوتك، وإن رفع صوته فاخفض أنت صوتك، قَاْل: قلتُ: فإنَّه تُوفِّي، قَاْل: فأطب بها»([6]).
وهي صريحة في أنَّ العلَّة في عدم صحَّة الرُّجوع بعد القبض هو التّقرُّب إلى الله سبحانه، وأنَّ الصَّدقة لا تكون إلاَّ مع القربة. إلاَّ أنَّها ضعيفة بعدم وثاقة الحكم بن أبي عقيلة (الحكم أخو أبي عقيلة)، كما أنَّ الصَّدوق (رحمه الله) لم يذكر طريقه إلى موسى بن بكر الرَّاوي عن الحكم، فتكون مرسلةً أيضاً.
والخلاصة: أنَّه لا إشكال في اشتراط نيَّة القربة فيها، بل هو من مقوِّماتها، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 4 من كتاب الوقف والصدقات ح5.
([2]) الوسائل باب 5 من كتاب الهبات ح5.
([3]) الوسائل باب 13 من أبواب الوقوف والصدقات ح2.
([4]) الوسائل باب 13 من أبواب الوقوف والصدقات ح3.
([5]) الوسائل باب 11 من أبواب الوقوف والصدقات ح7.
([6]) الوسائل باب 11 من أبواب الوقوف والصدقات ح1.
|