قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: ولو وهب المال في أثناء الحَوْل، أو اشترى بغَبْنٍ حيلةً، لم يسقط ما وجب.
المعروف بين الأعلام أنَّه لو وهب المال أثناء الحَوْل، أو اشترى بغبنٍ حيلةً، لم يسقط ما وجب.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا بدّ من التَّفصيل، فإنَّ الهبة في أثناء الحَوْل إن كانت من شأنه، وكان ذلك أمراً متعارفاً، بحيث يدخل ذلك في ضمن مؤونته، فيسقط الخُمُس فيها، كما لو تصدَّق بشيءٍ يليق بشأنه.
وبالجملة، فإنَّ المؤونة تشمل مثل الهبة والصِلة والصَّدقات والنُّذور، وغيرها من الأفعال الواجبة والمستحبَّة اللاَّئقة بحاله.
وأمَّا لو لم تكن الهبة من شأنه، كما لو وهب مالاً كثيراً لا يليق بحاله، فإنَّ الخُمُس لا يسقط، وكذا لوِ اشترى بغبن حيلةً، فإنَّ الخُمُس لا يسقط أيضاً؛ لعدم دخول ذلك في مؤونته، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: الثَّالث: الحلال المختلط بالحرام، ولا يُعلم صاحبه ولا قدره. ولم يذكره جماعة من الأصحاب.
إذا اختلط الحلال بالحرام، ولم يتميّز أحدهما عن الآخر، ولم يُعرف صاحب الحرام الأصليّ ولو إجمالاً على نحو الشبهة المحصورة، ولا قدره ولو إجمالاً، بأنَّه أقلّ من الخُمُس أو أكثر، بل كان مردّداً بينهما، وجب فيه الخُمُس، كما هو المشهور، والمعروف بين الأعلام.
والإنصاف: أنَّه يُوجد عندنا أربع صور:
الأُولى: أن يكون قدر الحرام المختلط بالحلال، وصاحبه، كلاهما مجهولَيْن.
الثَّانية: أن يكون قدر الحرام مجهولاً، وصاحبه معلوماً.
الثَّالثة: أن يكون قدر الحرام معلوماً، وصاحبه مجهولاً.
الرَّابعة: أن يكون قدر الحرام، وصاحبه، كلاهما معلومَيْن. وسنتكلَّم إن شاء اﷲ تعالى عن هذه الصُّور تبعاً للمصنِّف (رحمه اﷲ).
أمَّا الصُّورة الأُولى وهي ما لو كان قدر الحرام وصاحبه الأصلي كلاهما مجهولَيْن
فيقع الكلام فيها من جهتَيْن:
الأُولى: في وجوب الخُمُس فيه، بحيث يحلّ بإخراج خُمُسه.
الثَّانية: في مصرف هذا القسم من الخُمُس، فهل مصرفه مصرف سائر أقسام الخُمُس، أم أنَّ مصرفه الفقراء، فيتصدّق به عليهم؟
أمَّا بالنِّسبة للجهة الأُولى: في وجوب الخُمُس فيه، بحيث يحلّ بإخراج خُمُسه.
فالمعروف بين الأعلام وجوب الخُمُس فيه، وفي الجواهر: (وفاقاً للنِّهاية والغُنية والوسيلة والسَّرائر والنافع والقواعد والتَّذكرة والمنتهى والإرشاد والتَّحرير واللُّمعة والبيان إلى أن قال: بل في المنتهى نسبته إلى أكثر علمائنا، والمفاتيح إلى المشهور، بل في ظاهر الغُنية أو صريحها الإجماع، وهو بعد شهادة التَّتبع له في الجملة الحُجّة، مضافاً إلى ما في البيان من دعوى اندراجه في الغنيمة...)([1]).
وفي المدارك: (وقد قطع الشَّيخ وجماعة بوجوب إخراج الخُمُس منه، وحلّ الباقي بذلك...)([2]).
وفي المقابل، يظهر من جملة من الأعلام المتقدِّمين، كابن أبي عقيل، وابن الجنيد والشَّيخ المفيد (رحمهم اﷲ) عدم وجوب الخُمُس فيه، حيث لم يتعرَّضوا لهذا القسم في عداد ما يجب فيه الخُمُس، ووافقهم بعض متأخِّري المتأخِّرين، كصاحب المدارك، والكاشانيّ، والخراسانيّ في كفاية الأحكام (رحمهم اﷲ جميعاً).
قال صاحب المدارك (رحمه اﷲ): (والمطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقَّن انتفاؤه عنه والتّفحُّص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به فيتصدَّق به على الفقراء، كما في غيره من الأموال المجهولة المالك، وقد ورد بالتّصدُّق بما هذا شأنه روايات كثيرة مؤيَّدةً بالإطلاقات المعلومة، وأدلَّة العقل، فلا بأس بالعمل بها إن شاء اﷲ )([3]).
أقول: الصَّحيح هو ما ذهب إليه المشهور من الأعلام من وجوب الخُمُس فيه.
وقد يُستدلّ لذلك بجملة من الرِّوايات:
منها: رواية عمَّار بن مروان (قَاْل: سمعتُ أبا عبد اﷲ (عليه السلام) يقول: في ما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز، الخُمُس)([4]).
قال السّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (رحمه اﷲ) عند التّعرُّض لهذه الرِّواية في ما يجب فيه الخُمُس في الغوص : (فإنَّها وإن عُبّر عنها بالخبر في عدَّة من الكتب المشعِر بالضَّعف، لكن الظَّاهر أنّها صحيحة السَّند؛ لما عرفت في ما مرّ من أنَّ عمَّار بن مروان، وإن كان مشتركاً بين اليشكريّ الموثَّق جزماً وبين الكلبيّ الَّذي ذكره الصَّدوق في المشيخة في بعض طرقه ولم يوثَّق، إلَّا أنَّ الأوَّل الذي يروي عن الصَّادق (عليه السلام) معروفٌ مشهور وله كتاب، بخلاف الثَّاني، ولا شكّ أنَّ اللَّفظ ينصرف لدى الإطلاق إلى مَنْ هو الأعرف الأشهر، فلا ينبغي التأمُّل في صحَّة الرِّواية)([5]).
ولكنَّه قال (رحمه اﷲ) في معجم رجال الحديث عند ترجمة عمَّار بن مروان مولى بني ثوبان: (نعم، روى الصَّدوق في الخِصال...)، ثمَّ ذكر هذه الرِّواية أي رواية عمَّار بن مروان ، ثمَّ قال: (وهذه الرِّواية صحيحةٌ إذا كان راويها عمَّار بن مروان اليشكريّ، ولكنَّه غيرُ ثابتٍ، فإنَّ الرَّاوي عنه، هو الحسن بن محبوب، وهو الَّذي روى عن أبي أيوب الخزَّاز، عن عمَّار بن مروان الكلبيّ، على ما في المشيخة، فمن المحتمل قويّاً أن يكون عمَّار بن مروان في هذه الرِّواية، هو الكلبيّ دون اليشكريّ)([6]).
والخلاصة: أنَّه إنْ لم يكن المراد من عمَّار بن مروان في هذه الرِّواية هو الكلبيّ غير الموثَّق، فلا أقلّ من أنَّه مشتركٌ بينه وبين اليشكريّ، ولا مُميّز، فتكون الرِّواية ضعيفةً، واﷲ العالم.
([1]) الجواهر: ج16، ص69، 70.
([4]) الوسائل باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس ح6.
([5]) مستند العروة الوثقى (كتاب الخمس) ص109.
([6]) معجم رجال الحديث: ج13، ص275 و276.
|