وأمَّا بالنسبة لصلاتهن فيه ففي المدارك: «وأما جواز صلاتهن فيه فهو اختيار الأكثر...»، وفي الجواهر: «على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل في حاشية الأستاذ الأكبر، والمحكي عن شرح الشيخ نجيب الدين أنَّ عليه عمل الناس في الأعصار والأمصار، بل في الذكرى وغيرها أن عليه فتوى الأصحاب مشعِراً بدعواه...»، وفي المقابل؛ ذهب الشيخ الصدوق R في الفقيه إلى المنع، قال: «النهي عن الصَّلاة في الحرير المحض مطلق، فيتناول المرأة بإطلاقه»، وقوّاه صاحب الحدائق، وعن مجمع البرهان: أنَّه أولى، وعن الشيخ البهائي في الحبل المتين: أنَّه أوجه.
وقد يستدل للمنع بعدّة أمور:
الأول: إطلاق أدلة المانعية، كما عن الشيخ الصدوق حيث قال في الفقيه: «فالنهي عن الصَّلاة في الإبريسم المحض على العموم للرجال والنساء حتى يخصهنّ خبر بالإطلاق لهنّ في الصَّلاة فيه كما خصهنّ بلبسه».
وقد أشكل صاحب الحدائق على استدلال الشيخ الصدوق بقوله: «أنّ ما يُؤذِن به كلامه من الأخبار الواردة بالنهي عن الصَّلاة في الحرير المحض شاملة بإطلاقها أو عمومها للرجال والنساء - محل منع، فإنَّ أكثر الأخبار إنَّما اشتملت على السؤال عن الرجل، فموردها الرجال خاصة؛ وصحيحتا محمد بن عبد الجبار المتقدمتان، وإن دلتا بإطلاقهما على المنع من الصَّلاة في الحرير المحض، إلاَّ أنَّهما مبنيَّتان على سبب خاص، وهو القلنسوة التي هي من لباس الرجال خاصة، فيضعف الاستناد إليهما في ذلك بحمل إطلاقهما على ما يشمل النساء».
أقول: أمَّا ما ذكره من منع شمول النواهي للنساء فيما عدا الصحيحتين فهو في محله، بل يظهر من صحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص المتقدمة «قال: سألت أبا الحسن الرضا N هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال: لا»[i]f333، ومن صحيحة أبي الحارث «قال: سألت الرضا N: هل يصلي الرجل في ثوب إبريسم؟ قال: لا»[ii]f334، أنَّ جوازه للنساء لدى السائل كان مفروغاً عنه بحيث لم يكن يحتمل المنع عنه في حقهن، وإلا لأطلق سؤاله، ولم يخصه بالرجل، خصوصاً مع أعميّة ابتلاء النساء بذلك.
وأمَّا ما ذكره بالنسبة إلى الصحيحتين فيرد عليه: أنَّ كون القلنسوة من مختصَّات الرجال لا يجعل الجواب خاصّاً، فإنَّ المورد لا يخصِّص الوارد، والعبرة حينئذٍ بكلام الإمام N، وهو مطلق.
أضف إلى ذلك أنَّ إحدى صحيحتي محمد بن عبد الجبار مشتملة على التِكَّة، وهي من الألبسة المشتركة بين الرجل والمرأة.
ولكنَّ الإنصاف: وقوع التفصيل في حرمة لبس الحرير المحض بين الرجال والنساء في النصوص والفتاوى، مع ما تقدمت الإشارة إليه من أنَّه يُفهم من السؤال الواقع في صحيحتي إسماعيل بن سعد الأحوص وأبي الحارث أنَّ السائل لم يكن يحتمل المنع عنه للنساء، فكأنَّه لم يكن يخطر في ذهنه التفكيك بين إباحة اللبس وجواز الصَّلاة فيه، مضافاً إلى أنّ جواز الصَّلاة فيه لهن من الأحكام التي استغنت بشهرتها عن ورود النصوص فيها بالخصوص؛ كلّ ذلك مانع عن استفادة المنع للنساء من إطلاق صحيحتي محمد بن عبد الجبار المتقدمتين.
وممَّا يؤيِّد عدم الإطلاق في هاتين الصحيحتين إلى النساء أنَّ جلّ الأصحاب لم يفهموا منه ذلك، فيبقى حكم النساء على وفق الأصل، وهو الجواز.
هذا، وقد ذكر بعض الأعلام أنَّه على فرض تمامية إطلاق أدلة المانعية إلا أنَّه معارَض بإطلاق ما دلّ على جواز لبسهن للحرير الشامل للصلاة بالعموم من وجه، والترجيح له بفهم الأصحاب، ولو فرض التساوي فالحكم هو التساقط، والرجوع إلى أصالة عدم المانعية.
وفيه مع قطع النظر عن كون الدليل الأساسي لحلية لبسهن له هو التسالم، وإلا فإن الأخبار الواردة في جواز لبسهن فيه جلها ضعيف السند : أنَّ دليل الجواز لا يستفاد منه أكثر من الجواز التكليفي دون الوضعي فشموله لحال الصَّلاة لا ينافي المانعية.
وعليه، فلا تعارض بين الدليلين.
ومن جملة الأمور التي استدل بها على المنع رواية جابر الجعفي «قال: سمعت أبا جعفر N يقول: ليس على النساء أذان إلى أن قال: ويجوز للمرأة لُبْس الديباج والحرير في غير صلاةٍ وإحرامٍ، وحرّم ذلك على الرجال إلا في الجهاد...»[iii]f335، وهي، وإن كانت واضحة الدلالة، إلا أنّها ضعيفة السند بجهالة كل من أحمد بن الحسن القطان والحسن بن علي العسكري، وجعفر بن محمد بن عمارة، وأبيه.
[i] الوسائل باب 16 من أبواب لباس المصلّي ح4.
[ii] الوسائل باب 13 من أبواب لباس المصلّي ح1.
[iii] الوسائل باب 13 من أبواب لباس المصلّي ح4.
|