نعم، جزم في المقاصد العلية وحاشية الإرشاد: بوجوب تأخير الثانية عن فعل ما يُتَلافى من المنسيّ، كالسجدة والتشهد، وهو ظاهر عبارة المصنِّف هنا، وقد يعلَّل ذلك: بأنَّه جُزء للصَّلاة حقيقةً.
ولكن يُشكَل عليهم: بأنّ هذه الأمور ليست أجزاء للصَّلاة حال النسيان، بل هي أجزاء حال الذكر.
وأمَّا وجوب المبادرة إلى المنسيّ في أوّل أوقات الإمكان فلا يقتضي فساد الثانية إذا صلاَّها قبل قضاء المنسيّ إلاّ بناءً على أنَّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدِّه، وقد عرفت ما فيه.
وممَّا ذكرنا: يتضح لك الكلام في صلاة الاحتياط، بل لعلّ المنع فيها أَوْلَى لقوَّة احتمال عدم جُزئيَّتها، وأمَّا سجدتا السهو فينبغي القطع بعدم لزوم التأخير عنهما.
وقد احتاط المصنِّف فيهما، وفي ركعتَي الاحتياط، لاحتمال اعتبار هذه الأمور جُزءاً من الصلاة.
ثمَّ إنَّه لو أطال في الصَّلاة اختياراً كما لو قرأ بعض السور الطِوال باختياره : فهل يدخل ذلك في التقدير؟.
الإنصاف: أنَّه لا يدخل فيه، لأنَّ الملاحَظ في التقدير أداء صِرْف الطبيعة الحاصل بأداءِ أقلّ المقدار الواجب، والظاهر دخول المقدّمات في التقدير أيضاً، مثل: رفع الحدث، وإزالة الخبث، وتحصيل المكان والساتر المباحَيْن، والله العالم.
(1) هذا هو المشهور بين الأعلام، وذكر جماعة من الأعلام منهم صاحب الجواهر: أنَّ ابتداءَ التقدير إنَّما هو من أوَّل الفيء الحادث، لا منه، ومن الظلّ الباقي، بل لم يقل أحد بذلك، بل عن الخلاف نفي الخلاف فيه، وهذا هو الإنصاف.
إذن: فالعبرة إنَّما هي باعتبار مَيْل الظلّ إلى طرف المشرق بقدر الشاخص، بعد أن زالت الشَّمس ومالت إلى المغرب، فإنَّ الشَّمس إذا وصلت إلى دائرة نصف النَّهار، فإمَّا أن لا يبقى للشَّاخص ظلّ أصلاً إذا كانت الشَّمس مسامتةً لرأسه، أو يبقى ظلّه على خطِّ نصف النَّهار، فإذا زالت الشَّمس حدث للشَّاخص ظلّ في ناحية المشرق، ويزيد شيئاً فشيئاً حتَّى تغيب الشَّمس. فالعبرة بزيادة هذا الظل، وذهابه إلى طرف المشرق بقدر قامة الشَّخص.
ثمَّ إنَّه قد استُدلّ لِمَا ذهب إليه المشهور بعدَّةٍ من الأخبار بلغت حدّ الاستفاضة:
منها: صحيحة البزنطي «قال: سألتُه عن وقتِ صلاةِ الظُّهر والعصْر، فكتب: قامة للظُّهر، وقامة للعصْر»[i]f190.
ومنها: صحيحة أحمد بن عُمَر عن أبي الحسن عليه السلام «قال: سألتُه عن وقتِ الظّهر والعصْر؟ فقالَ: وقتُ الظُّهر إذا زاغتِ الشَّمس إلى أن يذهب الظلُّ قامة، ووقت العصْر قامةٌ ونصفٌ، إلى قامتَيْن»[ii]f191.
[i] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح12.
[ii] الوسائل باب 8 من أبواب المواقيت ح9.
|