قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فرع: لو حال الحَوْل عليها، ولم يكن فيها الفريضة، كستٍّ وعشرين فصيلاً، ليس فيها بنت مخاض، أُخْرِجَ منها، وحينئذ قد تتساوى النّصب المختلفة في الفريضة، وكذا لو كانت بنات مخاض أو بنات لبون أو حقاقاً، أخرج منها وتساوت النُّصب، على إشكال في الجميع. ويحتمل اعتبار قيمة الصِّغار والكبار، وينقص مِنَ الواجب بالنِّسبة، فلو ساوت قيمة ستٍّ وثلاثين صغاراً مائتين، وكباراً ضِعْفها، أُخرِج بنت لبون خسيسة بقيمة نصفها مجزئة(1)
(1) ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّه لو حال الحَوْل على النِّصاب، وليس فيه الفريضة، كما لو كان عنده ستٌّ وعشرون مِنَ الإبل، كلُّها مِنَ الفصيل، أي عمرها أقلُّ من سَنَةٍ ومِنَ المعلوم أنَّ الفريضة أي الواجب إخراجه بعد حولان الحَوْل هي بنت مخاض، أي ما أتمّت سَنَة، ودخلت في الثَّانية ففي هذه الحالة ذَكَر المصنِّف (رحمه الله) أنَّه يخرج مِنَ الموجود، أي يعطي فصيلاً، وحينئذٍ تتساوى النُّصب المتعدِّدة في الفريضة.
فلو كان عنده ستٌّ وثلاثون مِنَ الإبل كلُّها فصيل، فيخرج منها فصيلاً، وكذا لو كان عنده ستٌّ وأربعون فصيلاً، فيخرج فصيلاً، وكذا لو كان عنده واحد وستُّون فصيلاً، وهكذا، فهذه النُّصب المختلفة تساوت في الفريضة.
وكذا الحال لو كان النِّصاب كلُّه بنات مخاض، أو بنات لبون، أو حِقَاقاً، أُخرِج منها، وتساوتِ النُّصب المختلفة في الفريضة، فحينئذٍ تكون فريضة نِصاب السِّتِّ والعشرين، والسِّتِّ والثَّلاثين، والسِّتِّ وأربعين، وهكذا فريضتهم واحدة، وهي بنت لبون في الكلِّ، أو بنت مخاض في الكلِّ، أو حِقَّة في الكلِّ، إذا كانت كلُّ هذه النُّصب من صنف واحد.
ومن هنا ذكر المصنِّف (رحمه الله) في البيان: «وحينئذٍ ربَّما تساوى المَخْرَجُ مِنَ السِّتِّ والعشرين إلى الإحدى والسِّتِّين، ثمَّ احتمل وجوب السِّنِّ الواجبة من غيره».
أقول: مقتضى الإنصاف وجوب تحصيل الفريضة من غيره، أو دَفْع قيمتها؛ لأنَّ الأمر تعلَّق بها، فلا يجزي غيرها إلاَّ بالقيمة، فقد ورد أنّ في النِّصاب السَّادس مِنَ الإبل وهو ستٌّ وعشرون بنت مخاض، سواء أكان النِّصاب متَّحد السِّنِّ كلّه أم لا.
وكذا النِّصاب السَّابع، وهو ستٌّ وثلاثون، ففيه بنت لبون، سواء أكان النِّصاب متَّحد السِّنِّ أم لا، وكذا النِّصاب الثَّامن، وهو ستٌّ وأربعون، ففيه حِقَّة، وهكذا.
والخلاصة: أنَّ الواجب هو ما تعلَّق به الأمر، فلا يجزي غيره إلاَّ بالقيمة.
واحتمل المصنِّف (رحمه الله) هنا أي في الدُّروس اعتبار قيمة الصِّغار والكبار، ويُنْقَص مِنَ الواجب بالنِّسبة، مثلاً لو كان عنده ستٌّ وثلاثون كلُّها بنات مخاض، والفريضة هي بنت لَبُون، فإذا كانت قيمة بنت اللَّبُون عشرين درهماً، وقيمة بنت المخاض عشرة دراهم، اشترى بنت لبون بقيمة خمسة عشر درهماً، ودَفَعها زكاة.
ولكنَّ الإنصاف: أنَّ هذا الاحتمال لا دليل عليه، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو ملك مالاً آخر في أثناء الحَوْل من جنس ما عنده، فإن كان نصاباً مستقلاًّ، كخمس مِنَ الإبل بعد خمس، وكأربعين بقرةً وعند ثلاثون، أو مائة وإحدى وعشرين مِنَ الغنم وعنده أربعون، فلكلٍّ حول بانفراده(1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه إذا ملك مالاً في أثناء الحَوْل من جنس ما عنده، فإن كان نصاباً مستقلاًّ، فلكلٍّ منهما حول بانفراده، كما لو كان عنده خمس مِنَ الإبل، ثمَّ بعد ستَّة أشهر ملك خمساً أخرى، فبعد تمام السَّنة الأُولى يخرج شاةً، وبعد تمام السَّنة للخمس الجديدة أيضاً يخرج شاةً.
وفي الواقع أنَّ هذه المسألة ممّا تسالم عليه الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار.
ويدلُّ على ذلك أيضاً: إطلاق أدلَّة الزَّكاة، فإنَّه شامل لكلٍّ منهما بلا مانع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو كان غير مستقلٍّ كالأشناق، استُؤنِف الحَوْل للجميع عند تمام حَوْل (الحول) الأوَّل على الأصحِّ(2)
(2) إذا حصل لمالك النِّصاب في الأنعام مُلْك جديد، ولم يكن نصاباً مستقلاًّ، ولا مكمِّلاً لنصاب آخر، فلا شيء عليه حينئذٍ.
كما لو كان عنده مِنَ الإبل خمسة، ثمَّ ملك في أثناء الحَوْل أربعة أخرى، وهذه المسألة متَّفق عليها أيضاً بين الأعلام شأنها شأن ما لو كان عنده تسع مِنَ الإبل ابتداء، بلا فرق بينهما.
ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ ما نقص عَنِ النِّصاب يسمَّى في الإبل شنقاً، وفي البقر وَقْصاً، وفي الغنم عفوًا؛ هذا تمام الكلام فيما لو كان الحاصل أثناء الحَوْل غير مكمِّل للنِّصاب.
وأمَّا إذا كان مكمِّلاً للنِّصاب كما إذا كان عنده ثلاثون مِنَ البقر، ثمَّ ملك في أثناء الحَوْل إحدى عشرة، أو كان عنده ثمانون مِنَ الغنم، ثمَّ ملك في أثناء الحَوْل اثنتين وأربعين فهناك عدَّة وجوه:
الأوَّل: سقوط اعتبار الأوَّل، وصيرورة الجميع نصاباً واحداً.
الثَّاني: وجوب زكاة كلٍّ منهما عند انتهاء حوله، فيُخرَج عند انتهاء حَوْل الأوَّل تَبِيع أو شاة، وعند مضي سنة من تلك مُسِنَّة، أو شاتان.
الثَّالث: فريضة الأوَّل عند انتهاء حوله، فإذا جاء حَوْل الزِّيادة لُوحِظ ما يخصُّها من فريضة نصاب المجموع، فإذا جاء الحَوْل الثاني للنصاب الذي عنده ابتداء أخرج ما نقص من ملك الفريضة، وهكذا، فيُخرَج في مثال البقر في الحَوْل الأوَّل الذي ملكه ابتداء تبيع، وللعشر عند حَوْلها ربع مُسنَّة، فإذا جاء الحَوْل الآخر للذي ملكه ابتداءً يخرج ثلاثة أرباع مسنَّة، وهكذا.
الرَّابع: عدم ابتداء حَوْل الزَّائد حتى ينتهي الحَوْل الأوَّل، ثمَّ استئناف حول واحد للجميع.
وقدِ اختاره المصنِّف (رحمه الله) وفاقاً للمشهور، ومنهم صاحب الجواهر (رحمه الله)، حيث قال: «أوجهها الأخير، وفاقاً للفخر والشَّهيدَيْن وأبي العبَّاس والمقداد والكركي والصَّيمَري وسيِّد المدارك والخراساني والفاضل البهبهاني والأستاذ في كشفه والمولى في الرِّياض، والمحدِّث البحراني على ما حُكي عن بعضهم؛ لوجوب إخراج زكاة الأوَّل عند تمام حوله؛ لوجود المقتضي، وهو اندراجه في الأدلَّة، وانتفاء المانع، ومتى وجب إخراج زكاته منفرداً امتنع اعتباره منضمّاً إلى غيره في ذلك الحَوْل؛ للأصل، وقوله (ص): «لَاْ ثِنَى في صَدَقَةٍ»، وقول أبي جعفر (عليه السلام): «لَاْ يُزكَّى المالُ من وجهَيْن في عامٍّ واحدٍ»، ولظهور أدلَّة النِّصاب المتأخِّر في غير المفروض، ومنه يعلم أنّه لا وجه للقول بتوزيع الفريضة حينئذ فراراً من تثنية الصَّدقة».
وقد استجود هذا الكلام جماعة من الأعلام منهم المحقق الهمداني (رحمه الله).
|