قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وأوقاصها تسعة، إلاَّ ما بين أربعين إلى ستِّين فتسعة عشر(1)
(1) قد عرفت أنَّه لا زكاة في الأوقاص، بل هي معفوٌّ عنها، فراجع.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وللغنم خمسة نُصُب على الأقوى: أربعون، وفيه شاة. وقال ابنا بابويه: يشترط إحدى وأربعون. ثمَّ مائة وإحدى وعشرون، فشاتان. ثمَّ مائتان وواحدة، فثلاث(1)
(1) المشهور بين الأعلام أنَّ للغنم خمسة نصب، وقيل: أربع، كما سيتضح لك ذلك كله.
وفي المدارك: «هذه النُّصب الثَّلاثة مجمع عليها بين الأصحاب، بل قال المصنِّف في المعتبر، والعلاَّمة في المنتهى، إنَّه لا خلاف فيها بين العلماء إلاَّ ما حكى الشَّعبي عن معاذ أنَّه قال: في مائتين وأربعين ثلاث شياه، قال: والحكاية ضعيفة؛ لأنَّها مخالفة للإجماع».
أقول: لا يوجد مخالف في هذه النُّصُب الثَّلاثة، إلاَّ ما حُكِي عَنِ الصَّدوقين (رحمهما الله) في النِّصَاب الأوَّل، فاعتبرا زيادة الواحدة في وجوب الشَّاة، أي النِّصَاب الأوَّل عندهما واحد وأربعون شاةً.
والإنصاف: أنَّه لا يعتدُّ بخلافهما في هذه المسألة، مع أنَّه لا شاهد لهما إلاَّ ما في الفِقه الرَّضوي، حيث ورد فيه: «ولَيْسَ على الغَنَمِ زكاة حتَّى تبلغ أربعينَ شاة، فإذا زادت على الأربعين واحد ففيها شاةٌ...»([1]).
وفيه ما ذكرناه في أكثر من مناسبة : من أنَّه لا يصحُّ الاستدلال بالفِقه الرَّضوي؛ لأنَّه فتاوى لابن بابويه، وليس رواية، إلاَّ ما كان فيه بعنوان (قال)، أو (روي)، ونحوهما، فتكون روايةً مرسلةً.
ويمكن أن يستدلَّ لهما أيضاً: برواية الأعمش في حديث شرائع الدِّين عن جعفر بن محمَّد (عليه السلام): «وَتَجِبُ عَلَى الْغَنَمِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ شَاةً، وَتَزِيدُ وَاحِدَةٌ، فَتَكُونُ فِيهَا شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى مِائَتَيْنِ، فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، وَبَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ»([2])، ولكنَّها ضعيفة كما تقدَّم بجملة مِنَ المجاهيل الواقعين في السَّند.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ثمَّ ثلاثمائة وواحدة، فأربع. ثمَّ أربعمائة، ففي كل مائة شاة. وقيل: بسقوط الاعتبار من ثلاثمائة وواحدة. وعلى الأول لا يتغير الفرض عن الرابع حتى يبلغ خمسمائة، وعلى الثَّاني لا يتغيَّر عَنِ الثَّالث حتَّى يبلغ أربعمائة، وإنَّما التغيُّر معنويٌّ(1)
(1) قد عرفت أنَّ النُّصُب الثَّلاثة المتقدِّمة متَّفق عليها، وأمَّا النِّصَاب الرَّابع، وهو فيما إذا بلغ ثلاثمائة وواحدة، فقيل: إنَّه بعد بلوغ هذا المقدار يُلغَى ما تقدَّم، ويؤخذ من كلِّ مائة شاةٌ، فيكون الواجب هنا ثلاث شياه، ولا يتغيَّر الفرض من مائتين وواحدة، إلاَّ ببلوغ أربعمائة، وإلى هذا القول ذهب جملة مِنَ الأعلام، كالشَّيخ المفيد والصَّدوق وابن عقيل وسلار وابن حمزة وابن إدريس (رحمهم الله).
وعلى هذا، فتكون النُّصب أربعة، ونُسِب هذا القول أيضا إلى أصحاب المذاهب الأربعة مِنَ العامَّة.
ولكن ذهب جملة مِنَ الأعلام بل لعلَّه المشهور منهم الشَّيخ وابن الجنيد وأبو الصَّلاح وابن البرَّاج وصاحب الجواهر والمحقِّق الهمداني والسَّيد الحكيم صاحب المستمسك، وصاحب الحدائق والسَّيد (قدس الله أسرارهم) وهو الإنصاف عندنا إلى أنَّه بعد بلوغ ثلاثمائة وواحدة يجب فيها أربع شياه إلى أن يبلغ أربعمائة، فيلغى ما تقدَّم ويؤخذ من كلِّ مائةٍ شاةٌ، فيكون الواجب هنا أربع شياه، ولا يتغير الفرض إلاَّ ببلوغ خمسمائة.
وعلى هذا، فتكون النُّصُب خمسة.
وقدِ استدلَّ للقول الأوَّل بروايتين:
الأولى: صحيحة محمَّد بن قيس عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قَالَ: لَيْسَ فِي مَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ شَيْءٌ، فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى الْمِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا ثَلَاثٌ مِنَ الْغَنَمِ إِلَى ثَلَاثِمِائَةٍ، فَإِذَا كَثُرَتِ الْغَنَمُ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ...»([3])، والكثرة هنا تصدق بواحدة.
الثَّانية: رواية الأعمش المتقدِّمة([4])، وقد عرفت أنَّها ضعيفة.
واستدلَّ العلاَّمة (رحمه الله) في المنتهى على هذا القول أيضاً بما نقله عن ابن بابويه أنَّه روى في الصَّحيح عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) أنَّه قال: «فإِذَا زادتْ واحدةً ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا كثر الغنم أسقط هذا كلّه، وأخرج عَنْ كلِّ مائةٍ شاةٌ».
ولكن هذا سهو مِنَ العلاَّمة (رحمه الله)؛ لأنَّ ما في الفقيه هكذا: روى حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَالَ: قُلْتُ لَهُ: فِي الْجَوَامِيسِ شَيْءٌ؟ قَالَ: مِثْلُ مَا فِي الْبَقَرِ.
وَلَيْسَ عَلَى الْغَنَمِ شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ شَاةً، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ وَزَادَتْ وَاحِدَةٌ فَفِيهَا شَاةٌ...»([5]).
وقد توهَّم العلاَّمة (رحمه الله) أنَّ قوله : «وَلَيْسَ عَلَى الْغَنَمِ...»، من صحيحة زرارة، وإنَّما هو من كلام الصَّدوق (رحمه الله) المأخوذ من كتاب الفِقه الرَّضوي.
وأمَّا القول الثَّاني أي قول المشهور فقدِ استُدلَّ له بحسنة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) «فِي الشَّاةِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ، وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ شَيْءٌ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَتّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ وَمِائَةً، فَفِيهَا مِثْلُ ذلِكَ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِذَا زَادَتْ عَلى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَفِيهَا شَاتَانِ، وَلَيْسَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ شَاتَيْنِ حَتّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ، فَإِذَا بَلَغَتِ الْمِائَتَيْنِ، فَفِيهَا مِثْلُ ذلِكَ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْمِائَتَيْنِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ أَكْثَرُ مِنْ ذلِكَ حَتّى تَبْلُغَ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَفِيهَا مِثْلُ ذلِكَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةٌ، فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ حَتّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةٍ، فَإِذَا تَمَّتْ أَرْبَعُمِائَةٍ، كَانَ عَلى كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، وَسَقَطَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ، وَلَيْسَ عَلى مَا دُونَ الْمِائَةِ بَعْدَ ذلِكَ شَيْءٌ، وَلَيْسَ فِي النَّيِّفِ شَيْءٌ...»([6]).
قال صاحب المدارك (رحمه الله) بعد أن ذكر مستند القولين : «والمسألة قويَّة الإشكال؛ لأنَّ الرِّوايتين معتبرتا الإسناد، والجمع بينهما مشكل جدّاً، ومَنْ ثَمَّ أوردهما المصنِّف في المعتبر من غير ترجيح، واقتصر في عبارة الكتاب على حكاية القولين، ونسبة القول الثَّاني إلى الشُّهرة، وقال العلاَّمة في المنتهى: إنَّ طريق الحديث الأوَّل أوضح مِنَ الثَّاني، واعتضد بالأصل، فيتعيَّن العمل به، وهو غير بعيد، مع أنَّ الرِّواية الثَّانية مخالفة لما عليه الأصحاب في النِّصاب الثَّاني، وذلك ممَّا يضعف الحديث. ولو كانا متكافئين في السَّند والمتن لأمكن حمل الرِّواية الأولى على التَّقيَّة؛ لموافقتها لمذهب العامَّة، أو حمل الكثرة الواقعة فيها على بلوغ الأربعمائة، ويكون حكم الثَّلاثمائة وواحدة مهملاً في الرِّواية».
والإنصاف: أن يقال: إنَّ ما ذَكَره من أنَّ الرِّواية الثَّانية أي حسنة الفضلاء مخالفة لِمَا عليه الأصحاب، فإنَّما هو بناءً على رواية الشَّيخ (رحمه الله) في التَّهذيب كما في بعض النسخ، حيث قال: «وليس فيما دون الأربعين شيء حتَّى تبلغ عشرين ومائة، ففيها شاتان...»، وهو سهو من الشَّيخ أو من قلم النُّساخ، وإلاَّ فهي على رواية الكليني والشَّيخ في الاستبصار موافقة لما عليه الأصحاب، فلا يعتدُّ حينئذٍ بما نُقِل في التَّهذيب.
قال صاحب الحدائق (رحمه الله): «ولا يخفى على مَنْ له أُنْسٌ بالتهذيب ما وقع للشيخ (قد) فيه مِنَ التَّحريف والزِّيادة والنقصان في المتون والأسانيد كما تقدم التنبيه عليه في مواضع من كتاب الصلاة وأسانيدها».
والخلاصة: أنَّ ما نُقِل في بعض نسخ التهذيب لا يصلح لمعارضة الكافي الذي هو الأصل في نقل الرِّواية، وقد نقلها عنه الشَّيخ (رحمه الله).
وأمَّا ما نُقِل عن العلاَّمة (رحمه الله) من أنَّ طريق الحديث الأوَّل أي صحيحة محمَّد بن قيس أوضح من الثَّاني، فكأنَّه إشارة إلى اشتمال طريق الحديث الثاني على إبراهيم بن هاشم، حيث إنَّ علماء الرجال لم ينصُّوا على توثيقه.
ويرد على ذلك: أنَّ النَّجاشي مَدَح إبراهيم بن هاشم مدحاً معتدّاً به، وأيضاً هو واقع في تفسير عليِّ بن إبراهيم، وقد ورى عنه مباشرةً، وذكرنا أنَّ مشايخ عليِّ بن إبراهيم المباشرين الواقعين في التَّفسير هم ثقات.
أضف إلى ذلك: أنَّه اعتمد عليه كلُّ الأعلام، ولا تجد من ردَّ روايته.
والخلاصة: أنَّ شهرته غنيَّة عن التَّوثيق.
والإنصاف: أنَّ صحيحة محمَّد بن قيس قاصرة عن مكافئة الحسنة من حيث الدَّلالة، ومن حيث جهة الصُّدور:
([1]) فقه الرضا: باب 28 الزكاة، ص 196، والمستدرك باب5 من أبواب زكاة الأنعام ح3.
([3]) الوسائل باب 6 من أبواب زكاة الأنعام ح2.
([5]) الفقيه ج2 باب الاصناف التي يجب عليها الزكاة ح11.
([6]) الوسائل باب 6 من أبواب زكاة الأنعام ح1.
|