الأمر الثاني: إذا تردَّد في الخروج وعدمه، فإذا رجع إلى النيَّة قبل الإتيان بشيءٍ من أجزاء الصَّلاة فلا إشكال في الصّحَّة، بل هو أولى بالصّحَّة ممَّا لو نوى الخروج، فلا حاجة للإعادة.
وأمَّا إذا كان رجوعه بعد الإتيان بشيءٍ من أجزاء الصَّلاة فالأقوى هو الصّحَّة أيضاً، وإنِ اقتُصر على المأتي به مع نيَّة التردُّد، ولم يأتِ به مرةً ثانيةً مع النيَّة، وذلك لأنَّ البطلان مبنيّ على اشتراط الجزم بالنيَّة في صحَّة العبادة.
ولكن ذكرنا في بعض المناسبات أنَّه لا دليل على اعتبار الجزم بالنيَّة في صحَّة العبادة، وبما أنَّه لم يصدر منه الجُزء في هذا الحال إلاَّ بقصد جزئيَّته للصَّلاة المأتي بها بنيَّة القربة على تقدير عدم الخروج فلا قصور في نيَّته إلاَّ من حيث الجزم.
الأمر الثالث: الحال فيه كالأمر الأوَّل من حيث الرُّجوع قبل الإتيان بشيءٍ أو بعده طابق النعل بالنعل، ولا حاجة للإعادة، والله العالم.
(1) قلنا في مبحث الوضوء: إنَّه لو ضمَّ إلى نيَّة التقرُّب إرادة شيءٍ آخر محرَّماً كان، كالرِّياء ونحوه، أم مباحاً كالتبرُّد، أو التسخين، أم راجحاً شرعاً، كضمِّ قصد الحمية في الصَّوم مثلاً، فهل يبطل العمل العبادي في جميع تلك الصُّور، أم لا يبطل إلاَّ في الضميمة المحرَّمة دون المباحة، فضلاً عن الرَّاجحة، أو نقول بالتفصيل، فإن كانت الضَّميمة تابعة في القصد أي: كان الباعث الأصلي إلى الفعل هو قصد الامتثال، بحيث استند الفعل إليه لا غير فإنَّه يصحّ حينئذٍ مطلقاً، أو أنَّه يصحّ في غير الضَّميمة المحرَّمة، وأمَّا فيها فلا يصحّ مطلقاً، فيه وجوه، بل أقوال، إلى آخر ما ذكرناه هناك[i]f487، فإنَّه قد ذكرنا المسألة، وبيَّنا حكمها من جميع الجهات فراجعه، فإنَّه مهمّ، ولا حاجة لإعادتها هنا.
(2) مقتضى القاعدة عدم جواز النقل، لأنَّ لكلِّ صلاةٍ أمراً يخصُّها، فالإتيان بأحدى الصلاتين بقصد امتثال أمرها لا يكون امتثالاً للأمر المتعلق بالصلاة الأخرى، وعليه فلو أتى ببعض الصلاة كركعة منها، أو ركعتين ثم عدل بها إلى الأخرى فهي لا تقع امتثالاً للأمر المتعلق بالصلاة الأولى لعدم الإتيان ببقيَّة الأجزاء بداعي ذلك الأمر، كما أنَّها لا تقع امتثالاً للأمر الثاني المتعلِّق بالصَّلاة المعدول إليها لفرض عدم الإتيان بالأجزاء السَّابقة بداعي هذا الأمر، هذا مقتضى القاعدة.
ولكن ثبت النقل من صلاة إلى أخرى في بعض الموارد لدليل خاص، فيقتصر عليه، وهو النقل من الحاضرة إلى الحاضرة، ومن الحاضرة إلى الفائتة، ولم يثبت من الفائتة إلى الحاضرة.
وأمَّا من الفائتة إلى الفائتة فالأحوط لزوماً عدم النقل، لأنَّ الأخبار الدَّالة عليه من حسنة زرارة، وصحيحة الحلبي، ورواية عبد الرَّحمان البصري، موردها العدول عن الحاضرة إلى سابقتها الحاضرة أو الفائتة، فالتعدِّي عنها يحتاج إلى دليل، وهو مفقود.
وعليه، فلو لم يكن الأقوى عدم الجواز فلا أقلّ من التنزُّل إلى الاحتياط، وأمَّا الرِّوايات المشار إليها فقد تقدَّم بعضها كحسنة زرارة، ورواية عبد الرَّحمان في مبحث المواقيت[ii]f488، ورواية عبد الرَّحمان ضعيفة لِعدم وثاقة معلَّى بن محمَّد.
(1) وجوب النقل إنَّما هو من الحاضرة إلى الحاضرة، فإذا دخل في صلاة العصر، ثمَّ تذكر في الأثناء أنَّه لم يصلِّ الظُّهر فإنَّه يعدل بها، ويتمّها ظهراً، ثمَّ يصلِّي العصر، وذلك لوجوب الترتيب بينها، وأمَّا من الحاضرة إلى الفائتة فلا يجب العدول.
نعم، يستحبّ، كما تقدَّم سابقاً.
(1) كما في موثَّقة صباح بن صبيح «قال: قلت لأبي عبد الله N رجل أراد أن يصلِّي الجمعة فقرأ: بـــــ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد »، قال: يتمّها ركعتين، ثمَّ يستأنف»[iii]f489.
وكما في صحيحة سليمان بن خالد «قال: سألتُ أبا عبد الله N عن رجل دخل المسجد (وافتتح) فافتتح الصَّلاة، فبينما هو قائم يصلِّي، إذ أذَّن المؤذِّن، وأقام الصَّلاة، قال: فَلْيصلِّ ركعتين، ثمَّ ليستأنف الصَّلاة مع الإمام، ولتكن الرِّكعتان تطوُّعاً»[iv]f490، ونحوها موثَّقة سماعة[v]f491.
(2) قال المصنِّف R في الذكرى: «ولا يجوز النقل من النفل إلى الفرض، لأنَّ القوي لا يبنى على الضعيف، وللشَّيخ قول بجوازه في الصَّبي يبلغ في أثناء الصَّلاة».
أقول: إنَّ التعليل الذي ذكره المصنِّف R لِعدم جواز النقل عليل، والأصحّ في عدم جواز النقل إنَّما هو لأجل عدم ورود الدليل بذلك، لما عرفت من أنَّ مقتضى القاعدة عدم الجواز إلاَّ ما ورد به الدَّليل، ولم يرد هنا.
وأمَّا ما حكاه عن الشَّيخ فهو ليس من هذا الباب، بل لا عدول فيه في الحقيقة، لأنَّه هنا يجدِّد نيَّة الفرض بالباقي، والعدول معناه جعل الجميع ما مضى منه وما بقي على ذلك الوجه، والله العالم.
(1) قال المصنف R في الذكرى: «لو نوى الفريضة، ثمَّ عزبت النيَّة،لم يضرّ، ولو نوى النفل حينئذٍ ببعض الأفعال، أو بجميع الصَّلاة خطأً، فالأقرب الإجزاء، لاستتباع نيَّة الفريضة باقي الأفعال فلا يضرّ خطؤه في النيَّة...».
أقول: يقع الكلام في أمرين:
الأول: مقتضى القاعدة في المقام.
الثاني: في النصوص الواردة في المسألة.
[i] المجلد الأول من كتاب الطهارة ص546.
[ii] المجلد الأول من كتاب الصلاة ص459 و464.
[iii] الوسائل باب 72 من أبواب القراءة في الصلاة ح2.
[iv] الوسائل باب 56 من أبواب صلاة الجماعة ح1.
[v] الوسائل باب 56 من أبواب صلاة الجماعة ح2.
|