إشكال المركبات الارتباطية:
إنّا نجد في المركبات الارتباطية أنّ وجوب أوّلها مرتبط بالقدرة على آخرها؛ كالصلاة مثلاً؛ فإنّ وجوب تكبيرة الإحرام كما أنّه مشروط بالقدرة عليها، كذلك مشروط بالقدرة على بقية أجزائها المتأخرة؛ فإذا فقدت القدرة على التسليم مثلاً، فيكشف ذلك عن أنّ تكبيرة الإحرام من أوّل الأمر ليست واجبة.
وكذا لو جُنَّ المكلّف أثناء الصلاة، فإنّ ذلك يكشف عن أنّ الأجزاء السابقة لم تكن واجبة من أوّل الأمر.
وكذا الصوم الذي هو عبارة عن الإمساك عن المفطرات في كل آنات النهار من أوّل الفجر إلى الغروب، فإنّ وجوب الإمساك في أوّل آنات الفجر متوقف على القدرة على الإمساك إلى آخر آنات النهار قبيل الغروب.
وعليه، كيف نصحّح توقف وجوب أولى أجزاء المركّبات الارتباطية على وجوب آخرها بالقدرة عليه مع القول باستحالة الشرط المتأخر؟!
الجواب: أنّ الكلام في المركّبات الارتباطية هو الكلام في العقد الفضولي من جهة أنّ وجوب الجزء الأوّل من المركّب مشروط بتعقب القدرة على الأجزاء اللاحقة حتى الأخير منها، والتعقب وصف مقارن لوجوب الجزء الأوّل وإن كان متعلقه متأخراً على ما مر، إلا أنّ الفرق بينهما أنّ اعتبار عنوان التعقب في الارتباطيات التي لها جهة وحدة ممّا يساعد عليه الاعتبار؛ حيث إنّ أصل التكليف بالجزء السابق وحصول امتثاله بما أنّه جزء للمركّب، إنّما يكون بتعقب ذلك الجزء للأجزاء الأخرى. ويؤيّد ما ذهبنا إليه أدلّة الواجبات الارتباطية؛ فإنّ معناها أنّ الجزء الأوّل منها واجب بشرط القدرة عليه والقدرة على الباقي. وعليه، فلا شرط متأخّر في المقام ليشكل به.
والخلاصة إلى هنا: إنّ شرائط الجعل خارجة عن محلّ النزاع، وما قيل في تصحيح الشرط المتأخر بالنسبة إلى الحكم المجعول في غير محلّه، فيبقى الكلام عن شرائط المأمور به.
تحقيق الشرط المتأخر للمأمور به:
قال صاحب الكفاية R: «وأما الثاني: فكون شيء شرطاً للمأمور به ليس إلا ما يحصل لذات المأمور به بالإضافة إليه وجه وعنوان، به يكون حسناً أو متعلقاً للغرض، بحيث لولاها لما كان كذلك، واختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف الوجوه والاعتبارات الناشئة من الإضافات، مما لا شبهة فيه ولا شك يعتريه... وهذه خلاصة ما بسطناه من المقال في دفع هذا الإشكال، في بعض فوائدنا، ولم يسبقني إليه أحد فيما أعلم، فافهم واغتنم».
قبل أن يتطرق صاحب الكفاية إلى ما يرفع إشكال الشرط المتأخر بالنسبة إلى المأمور به، قدّم مقدمة حاصلها مع توضيح منا أنّ الحسن والقبح على ثلاثة أقسام:
الأوّل: الحسن والقبح الذاتيّان: حيث يكون العنوان علّة تامة لهما؛ كالعدل فإنّه حسن بذاته، والحسن لا ينفكّ عنه، وكذا الظلم فإنّه قبيح بذاته، والقبح لا ينفك عنه.
الثاني: الحسن والقبح الاقتضائيان: حيث يقتضي العنوان بنفسه الحسن أو القبح، ولكنّه ليس علة تامة غير منفكّة عنهما؛ كالصدق فإنّه بنفسه يقتضي الحسن، ولكن قد يطرأ مانع من هذا الاقتضاء؛ بحيث يصير الصدق قبيحاً؛ كما لو كان من ورائه مقتلة. وكالكذب فإنّه بنفسه يقتضي القبح، ولكن قد يطرأ مانع من هذا الاقتضاء؛ بحيث يصير الكذب حسناً؛ كما في التقيّة؛ حيث يكون من ورائه حفظ النفس.
الثالث: وهو ما لم يكن العنوان بذاته حسَناً أو قبيحاً لا ذاتاً ولا اقتضاءً، وإنّما يتصف بأحدهما بلحاظ إضافته إلى متعلّقه؛ كالمشي مثلاً، فإنّه في نفسه لا يتصف بالحسن ولا بالقبح، وإنّما يكون حسناً؛ كما لو كان المشي في طريق الإصلاح بين الناس، ويكون قبيحاً؛ كما لو كان في طريق الإفساد بينهم، وكذا نحوه.
بعد هذا التقديم يقول صاحب الكفاية ما نحن فيه من قبيل القسم الثالث؛ فإنّ الشرط هو ما يجعل لذات المأمور به عنواناً حسناً بسبب إضافة المأمور به إلى ذلك الشرط؛ كالغسل الليلي المتأخّر عن الصوم؛ فإضافة الصوم إلى الغسل الليلي يولِّد عنواناً حسناً، بسببه يأمر به المولى؛ فإطلاق الشرط على الغسل الليلي إنّما هو لأجل كونه طرف الإضافة، وإلا فالشرط حقيقة هو نفس الإضافة التي تكون مقارنة للشروط دائماً، فلا تأخّر في الشرط حتى يلزم انخرام القاعدة.
وهكذا الحال في الشرط المتقدم؛ كالطهارة بالنسبة إلى الصلاة؛ حيث قلنا إنّ الأصح كون الطهارة عبارة عن الغسلتين والمسحتين. وعليه، فالشرط هو الوصف المنتزع عن إضافة المأمور به إلى ذلك المتقدم، ومن المعلوم مقارنة هذا الوصف للمأمور به زماناً، لا تقدّمه عليه.
هذا ما أفاده الآخوند، إلا أنّ للميرزا بياناً أوضح؛ حيث قال أنّ النزاع لا يجري في المأمور به؛ لأنّ شروطه كأجزائه في توقف الامتثال عليها؛ فكما أنّه لا إشكال فيما إذا كان بعض أجزاء المركّب متأخراً عن الآخر في الوجود ومنفصلاً عنه في الزمان؛ كما إذا أمر بمركّب بعض أجزائه في أوّل النهار، والبعض الآخر في آخره. كذلك لا ينبغي الإشكال فيما إذا كان شرط الواجب متأخراً في الوجود ومنفصلاً عنه في الزمان. ومجرّد دخول الجزء قيداً وتقيداً في المركّب، وخروج الشرط قيداً، لا يشكِّل فارقاً في المقام بعد ما كان التقيد داخلاً في متعلق التكليف.
والخلاصة: إنّ إشكال الشرط المتأخر، إنّما هو لزوم الخلف، والمناقضة، وتقدم المعلول على علته، وتأثير المعدوم في الموجود، وشيء من ذلك لا يجري في شرط كمتعلق التكليف. وما ذكره R في غاية الصحة والمتانة.
هذا تمام الكلام، وما قيل ويقال في الشرط المتأخر.
|