قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو كان السَّفر معصيةً فلا استحقاق(1)
(1) قال في المدارك: «لا خلاف بين العلماء في عدم جواز الدَّفع إلى المسافر من سهم ابن السَّبيل إذا كان سفره معصية، لما في ذلك من الإعانة له على الإثم والعدوان، وظاهر ابن الجنيد أنَّه لا تكفي الإباحة، بل لا بدَّ من كونه واجباً أو ندباً، ومقتضى رواية عليّ بن إبراهيم اعتبار كونه طاعةً، لكنَّها مجهولة الإسناد».
وفي الجواهر تعليقاً على قول المحقِّق (رحمه الله): فلو كان معصيةً لم يُعطَ : «بلا خلاف، كما اعترف به بعضهم، بل نفاه في المدارك بين العلماء، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه...».
أقول: هناك تسالم على اشتراط أن لا يكون سفره في معصية، وهذا هو العمدة في المقام.
وأمَّا الاستدلال برواية عليِّ بن إبراهيم المتقدِّمة، فقد عرفت أنَّها ضعيفة بالإرسال.
نعم، ظاهرها اعتبار الطَّاعة، كما حُكي عن ابن الجنيد (رحمه الله).
ولكنَّ الإنصاف: على فرض صحَّة الرِّواية، أنَّ المراد من الطَّاعة هو عدم المعصية بالاتِّفاق.
وأمَّا الاستدلال على هذا الشَّرط: بأنَّ في إعطاء العاصي في سفره إعانةً على الإثم والعدوان.
ففيه أوَّلاً: ما ذكرناه في مبحث المكاسب من أنه لا دليل قويّ على حرمة الإعانة على الإثم.
وثانياً: مع قطع النَّظر عن ذلك، فإنَّه يتمّ في الذَّهاب لا في الإياب الذي هو بنفسه ليس محرماً، وليس فيه إعانة على الإثم والعدوان.
نعم، إذا صدق عليه عنوان آخر، فقد يحرم لأجل ذلك، كما لو كان فيه تقويةٌ للظَّالم وتقريرٌ له على ظلمه وفِسْقه، وهذا ينافي الحكمة من تشريع الزَّكاة من أنَّها عون للفقراء والمساكين دون الظَّلمة وقُطَّاع الطُّرق ونظرائهم ممَّن يسعون في الأرض فساداً.
ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه لو رجع عن المعصية في أثناء الطَّريق بأن تاب إلى الله سبحانه وتعالى، وندم على ذلك، فيجوز الدَّفع إليه حينئذٍ؛ لعدم كونه بالفعل متلبِّساً بسفر المعصية، ولا يُشترط التلبُّس بالضَّرب في الأرض، فلو تاب ورجع عن قصد المعصية جاز الدَّفع إليه، ولو لم يضرب في الأرض بعد توبته؛ إذ المناط في صدق كونه ابن سبيل هو كونه نائياً عن أهله، محتاجاً في الوصول إلى بلده إلى مؤونة.
بل الإنصاف: أنَّه يجوز إعطاؤه من هذا السَّهم في حال الرُّجوع إلى بلده، ولو لم يتب؛ لأنَّ الرُّجوع إلى البلد أمر مباح، وليس هو من سفر المعصية في شيء.
والتَّوبة عن المعصية السَّابقة وعدمها لا مدخليَّة لها في ذلك أصلاً، والله العالم.
تمَّ الفراغ منه بعد صلاة العشائين من ليلة الثلاثاء الثاني عشر من شهر ربيع الأوَّل سنة 1443 للهجرة الموافق للثامن عشر من تشرين الأوَّل سنة 2021 للميلاد، وذلك في الضَّاحية الجنوبيَّة لبيروت.
وأنا الأقلّ العبد الفاني حسن بن عليّ الرُّميتيّ العامليّ عامله الله بلطفه الجليّ والخفيّ، فإنَّه أكرم المسؤولين وأجود المعطين، وأرحم الرَّاحمين وخير الموفِّقين.
وآخر دعوانا أنِ الحمد ﷲ ربِّ العالمين.
|