الدرس 1228 _كتاب الصوم 28
وتتعدَّد النِّيّة بتعدُّد الأيّام في غير شهر رمضان إجماعاً، وفيه قولان: أجودهما التّعدُّد (1)
(1) يقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: هل تُجزي نيَّةٌ واحدةٌ لصيام شهر رمضان كلِّه، أم لابُدّ من تعدُّد النِّيّة لكلِّ يومٍ؟
الثَّاني: في غير شهر رمضان من الصَّوم المُعيّن، هل لابُدّ من النِّيّة لكلِّ يومٍ إذا كان عليه أيّام، كشهر أو أقلّ أو أكثر، كما لو نذر أن يصوم شهراً مُعيّناً أو أيّاماً مُعيّنة مُتتابعة، أم يكتفي بنيّة واحدة لكلِّ الأيام؟
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّه تُجزي نيَّة واحدة لصيام الشَّهر كُلِّه، منهم الشَّيخان والسّيِّد المُرتضى وأبو الصَّلاح وسلاَّر وابن زهرة، وغيرهم (رحمهم الله)، بل عن المنتهى نسبته إلى الأصحاب من غير نقل خلافٍ، بل في المحكيّ عن المسائل الرَّسّيّة للمُرتضى (رحمه الله) والانتصار والخِلاف والغُنية الإجماع عليه صريحاً.
وقال المُصنِّف (رحمه الله) في البيان: «وفي شهر رمضان خلافٌ، فذهب الأكثر إلى الاكتفاء بنيَّة واحدة من أوَّله، ونقل فيه المُرتضى والشَّيخ الإجماع. والأقرب: وجوب تعدُّدها»[1].
وقال (رحمه الله) في اللُّمعة: «والمشهور بين القدماء الاكتفاء بنيّة واحدة للشَّهر، وادَّعى المُرتضى في الوسيلة فيه الإجماع...»[2].
وبالمقابل، قال صاحب الحدائق (رحمه الله): «المشهور بين الأصحاب المتأخِّرين أنَّه لابُدّ في كلِّ يومٍ من شهر رمضان من نيَّة...»[3].
أقول: قدِ استَدلّ مَنْ ذهب إلى الاكتفاء بنيَّة واحدة للشَّهر كلِّه بجملة من الأدلَّة:
منها: الإجماع المنقول بخبر الواحد، كما عرفت.
وفيه: ما تقدَّم من أنَّه غير حُجّةٍ.
ومنها: ما ذكره السّيِّد المُرتضى (رحمه الله) في الانتصار، حيث قال بعد الاحتجاج بالإجماع من الطَّائفة : «إنَّ النِّيّة تُؤثِّر في الشَّهر كلِّه؛ لأنَّ حرمته حرمة واحدة، كما أثَّرت في اليوم الواحد لمّا وقعت في ابتدائه...»[4].
وفيه: أنَّنا نمنع كون حرمته حرمةً واحدةً بمعنى كون المجموع عبادةً واحدةً، بل صوم كلّ يومٍ أمرٌ مستقلٌّ بنفسه غير مُتعلِّقٍ بغيره، ولكلِّ يومٍ حُكمٌ يخصُّه من الثَّواب والعِقاب والكفَّارة والإفطار والإطاعة والعصيان.
وبالجملة، فإنَّ صوم كلّ يومٍ مُستقلٌّ بنفسه لا تعلُّق له بما قبله وما بعده شرعاً وعرفاً؛ ولذلك تتعدّد الكفَّارة بتعدُّده، ولا يبطل صوم الشَّهر ببطلان بعض أيّامه.
ومنها: أصل البراءة من لُزوم إيقاعها لكلّ يومٍ في ليلته.
وفيه: أنَّ مقتضى القاعدة بناءً على أنَّ النِّيّة هي الإخطار، أعني الإرادة التَّفصيليّة هو أنَّه لكلّ يومٍ نيّةٌ تخصُّه، فلا معنى لأصل البراءة.
والإنصاف: أنَّ النِّزاع بين الأعلام مبنيٌّ على أنَّ النِّيّة هي الإخطار.
وأمَّا بناءً على أنَّها الدَّاعي الَّذي يعمّ الإرادة الإجماليّة الارتكازيّة، فلا موقع للخلاف أصلاً؛ إذِ العبرة في صحَّة العبادة حينئذٍ باقترانها بالدَّاعي المغروس في النَّفس حال الفعل حقيقةً أو حُكماً، ومع تحقُّق الدَّاعي حال الصَّوم، يكون صحيحاً وإن حدث قبل أشهر.
وقد عرفت سابقاً الفرق بين الصَّوم وغيره من العبادات المطلوب بها الفعل، وهو أنَّه يُعتبر في سائر العبادات وجود الدَّاعي، الَّذي هو أثر تلك الإرادة التَّفصيليّة الباعثة على اختيار الفعل في وقته فعلاً، ويكفي في الصَّوم بقاؤه في النَّفس شأناً، بحيث لا تُنافيه الغفلة والنَّوم.
وقد ذكرنا سابقاً في باب الطَّهارة والصَّلاة معنى النِّيّة الإخطاريّة، والنِّيّة بمعنى الدَّاعي، وشرحناهما بشكل مُفصّل، فراجع.
الأمر الثَّاني: قدِ اتَّضح حُكمه ممَّا تقدَّم من كون معنى النِّيّة هو الدَّاعي، وهو حاصل حين الصَّوم باعتبار أنَّه مغروسٌ في النَّفس حال الفعل وإن حدث قبل أشهر، فلا مُوجب للخلاف.
* * *
ولو تقدَّمت عليه في شعبان لم تُجزئ على الأقوى (1)
(1) حُكي عن الشَّيخ (رحمه الله): اختصاصُ رمضان بجواز تقديم نيّته عليه، فلو سها عند دُخوله فصام، كانت نيَّته الأُولى كافيةً، قال في المبسوط: «ونيَّة القُربة يجوز أن تكون مُقدَّمةً، فإنَّه إذا كان من نيَّته صوم الشَّهر إذا حضر، ثمَّ دخل عليه الشَّهر، وإن لم يُجدّدها لسهوٍ لحقه، أو نوم، أو إغماء كان صومه ماضياً صحيحاً، فإن كان ذاكراً فلابُدّ من تجديدها»[5].
وقال في الخلاف: «وأجاز أصحابنا في نيَّة القُربة في شهر رمضان خاصَّةً أنْ تتقدَّم على الشَّهر بيومٍ وأيّامٍ»[6].
وحاصله: الإجتزاء بذلك للنَّاسي مثلاً خاصّةً.
وأمَّا الذَّاكر، فلا يجتزئ به إجماعاً في المُختلف.
وقال المُصنِّف (رحمه الله) في البيان: «ولو ذكر عند دُخول الشَّهر لم يُجزِ العزم السَّابق قولاً واحداً...»[7].
وفي المقابل، ذهب كثير من الأعلام إلى عدم جواز التّقدُّم، قال صاحب الجواهر (رحمه الله): «فما قيل: من أنَّه يختصُّ رمضان بجواز تقديم نيَّته عليه، وانه لو سها عند دخوله فصام إلى أن قال : واضح البطلان»[8].
وفي المدارك: «والأصحّ عدم الاكتفاء بالعزم المتقدِّم؛ لأنَّ من شرط النِّيّة المُقارَنة للمنويّ، خرج من ذلك تقديم نيَّة الصَّوم من اللَّيل بالنَّصّ والإجماع، فيبقى الباقي...»[9].