الدرس 52 _ التوثيقات العامة (الضمنية) 19
توثيقات عامة لجماعة من المشايخ
مقدّمة:
إنّ هناك جماعة من المشايخ قيل في حقّهم إنّهم لا يروون إلاّ عن الثقات، فيكون توثيق من رووا عنه داخلاً في التوثيقات العامة، وهؤلاء المشايخ هم:
1 علي بن الحسن بن محمد الطائي المعروف بالطاطري.
2 جعفر بن بشير.
3 محمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني.
4 أحمد بن محمد بن سليمان أبو غالب الزراري.
5 محمد بن أبي بكر همّام بن سهيل الكاتب الاسكافي.
6 أحمد بن علي أبو العباس النجاشي.
7 أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.
ولنبدأ بهم واحداً بعد واحد:
الأوّل: علي بن الحسن الطاطري
فقد ترجمه الشيخ رحمه الله في الفهرست، وقال عنه: «كان واقفياً شديد العناد في مذهبه، صعب العصبية على من خالفه من الإمامية.
وله كتب كثيرة في نصرة مذهبه، وله كتب في الفقه، رواها عن الرجال الموثوق بهم وبرواياتهم، فلأجل ذلك ذكرناها... الخ»[1].
ولا يخفى، أنّ طريق الشيخ إليه ضعيف بأحمد بن عمرو بن كيسبة، فإنّه مجهول.
وقال النجاشي رحمه الله: «علي بن الحسن محمد بن الطائي الجرمي المعروف بالطاطري، وإنّما سمّي بذلك لبيعه ثياباً يقال لها الطاطرية. يكنّى أبا الحسن، وكان فقيهاً، ثقة في حديثه، وكان من وجوه الواقفة وشيوخهم، وهو أستاذ الحسن بن محمد بن سماعة الصيرفي الحضرميّ. ومنه تعلّم... الخ»[2].
وقال الشيخ رحمه الله في العدّة: «إنّ الطائفة عملت بما رواه الطاطريون... الخ»[3].
والإنصاف: أنّ عبارة الشيخ رحمه الله في الفهرست تدلّ على أنّ كلّ من روى عنه الطاطري مباشرة فهو ثقة.
فعبارة الشيخ رحمه الله (وله كتب في الفقه رواها عن الرجال الموثوق بهم وبروايتهم) تدلّ بوضوح على ما ذكرناه.
نعم، لا نفهم منها أنّ كلّ من روى عنه الطاطري فهو ثقة، بل القدر المتيقن منها من روى عنهم في الفقه وفي كتبه خاصة، لا مطلق الروايات وإن لم تكن في كتبه أو لم تكن في الفقه.
وعليه، فكلّما بدأ الشيخ رحمه الله سند الحديث باسم الطاطري، فهو دليل على أنّ الرواية مأخوذة من كتبه الفقهية، لأنّ الشيخ رحمه الله تعهّد أنّ أوّل من يبدأ به السند فهو ينقل عن كتابه، فيكون الشخص الراوي عنه الطاطري مباشرة ثقة.
ومن هنا، قد استفدنا وثاقة درست الواسطي لرواية الطاطري عنه مع كونه غير موثّق من غيره.
الثاني: جعفر بن بشير
فقد استفاد المحقّق النّوري رحمه الله في المستدرك وثاقة كلّ من روى عنهم ورووا عنه[4].
ويقول النجاشي رحمه الله: «أبو محمد البجلّي الوشاء من زهّاد أصحابنا وعبّادهم ونسّاكهم، وكان ثقة، وله مسجد بالكوفة باقٍ في بجيلة إلى اليوم. وأنا وكثير من أصحابنا إذا وردنا الكوفة نصلّي فيه مع المساجد التي يرغب في الصلاة فيها، ومات جعفر رحمه الله بالأبواء سنة ثمان ومائتين. كان أبو العباس بن نوح يقول كان يلقب فقحة العلم، روى عن الثقات ورووا عنه. له كتاب المشيخة مثل كتاب الحسن بن محبوب، إلاّ أنّه أصغر منه، وكتاب الصلاة، وكتاب المكاسب... الخ»[5].
وقال الشيخ رحمه الله في الفهرست: «جعفر بن بشير البجلّي، ثقة، جليل القدر... الخ»[6].
وقال الكشي رحمه الله: «جعفر بن بشير البجلّي الوشاء من أصحاب الرضا عليه السلام»[7].
وقال: قال نصر: «أخذ جعفر بن بشير رحمه الله فضرب ولقي شدّة حتى خلصه الله، ومات في طريق مكة، وصاحبه المأمون بعد موت الرضا عليه السلام ثمّ قال: جعفر بن بشير مولى بجيلة كوفي مات بالأبواء سنة ثمان ومائتين»[8]. انتهى.
هذا، وقد أشكل أغلب الأعلام بأنّ عبارة النجاشي رحمه الله لا تدلّ على الحصر. فقوله: (روى عن الثقات) لا يدلّ على أنّه لم يروِ عن غيرهم، وغاية ما تدلّ عليه هو أنّه يروي كثيراً عنهم، بدليل قوله: (ورووا عنه).
فهل يمكن القول بأنّه لا يروي عنه إلاّ ثقة، مع أنّ الضعفاء كثيراً ما يروون عن الأجلاّء، بل عن المعصومين عليهم السلام؟
والخلاصة: أوّلاً: إنّ غرض النجاشي رحمه الله من هذه العبارة هو مدحه بكثرة روايته عن الثقات وكثرة رواية الثقات عنه، في مقابل من يكثر الرواية عن الضعفاء كالبرقي رحمه الله، حيث إنّ المعروف عنه أنّه يكثر الرواية عن الضعفاء، ولذا أخرجه ابن الوليد من بلدة قمّ.
وثانياً: ثبت أنّه روى عن صالح بن الحكم، وهو ممّن ضعّفه النجاشي رحمه الله. وكذا عن غيره من الضعفاء كأبي جميلة وأضرابه.
وعليه، فكيف يمكن الجمع بين شهادة النجاشي رحمه الله بأنّه لا يروي إلاّ عن الثقات، مع شهادة النجاشي رحمه الله بضعف أكثر من شخص روى عنهم جعفر بن بشير، فهل هذا إلاّ تهافت؟
ثمّ إنّ قول الكشي (وصاحبه المأمون بعد موت الرضا عليه السلام) لا يدلّ على القدح فيه، لأنّ الذم إنّما يتوجّه إذا هو صاحب المأمون باختياره، وأمّا إذا صاحبه المأمون فلا يدلّ ذلك على ذمّه، لأنّ الصحبة ليست باختياره. وهل يستطيع أن يعارض المأمون؟
