الدرس146 _لباس المصلي 19
ولكن قد تنافيه بعض الأخبار:
منها: موثّقة عبد الله بكير «أنه سأل أبا عبد الله N عن الرّجل يصلّي، ويُرسِل جانبي ثوبه، قال: لا بأس»[i]f128.
ومنها: صحيح عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر N «قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يجمع طرفي ردائه على يساره؟ قال: لا يصلح جمعهما على اليسار، ولكن اجمعهما على يمينك أو دعهما...»[ii]f129.
والإنصاف: أنّه لا منافاة بين هذه الرّوايات، ولذلك يحمل نفي البأس، والأمر بالدعة، على الجواز، وهذا لا ينافي الكراهة.
وقد يجمع بينهما بما عن النهاية «قال: نهي عن السَّدْل في الصَّلاة، وهو أن يلتحف بثوبه، ويدخل يديه من داخل، فيركع ويسجد، وهو كذلك، وكانت اليهود تفعله، فنهوا عنه، وهذا مطّرد في القميص وغيره من الثياب، وقيل: هو أن يضع وسط الإزار على رأسه، ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن يجعلهما على كتفيه، ومنه حديث علي N أنّه رأى قوماً...».
ولكنّ المعروف بين الأعلام أنَّ السَّدل هو أن يُلقي طرف الرداء من الجانبين، ولا يرد أحد طرفيه على الكتف الأخرى، ولا يضم طرفيه بيده.
وقال المصنِّف R في النفليّة: «هو أن يلتفّ بالإزار، فلا يرفعه على كتفيه»، وقال الشهيد الثاني R في روض الجنان: «واعلم أنّه ليس في الأخبار، وأكثر عبارات الأصحاب بيان كيفيّة لُبْس الرداء، بل هي مشتركة في أنّه يوضع على المنكبين...».
ثمَّ إنّه قد يجمع بين الأخبار: بأنّ المكروه سَدْل الرداء على الإزار مثلاً، دون الجبّة والقميص، وذلك لمعتبرة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمّد، عن أبيه J: «قال: إنّما كره السَّدْل على الأُزر بغير قميص، فأمَّا على القمص والجباب فلا بأس به»[iii]f130.
والأقوى: في الجمع بين الأخبار هو ما ذكرناه، والله العالم.
(1) ذكر جماعة من الأعلام أنَّه يُكره الإزار فوق القميص، بل في الحدائق: نسبه إلى المشهور.
وقد يُستدلّ لذلك: بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله N «قال: لا ينبغي أن تتوشّح بإزار فوق القميص، وأنت تصلّي، ولا تتزر بإزار فوق القميص إذا أنت صلّيت، فإنّه من زي الجاهليّة»[iv]f131، ولفظة «لا ينبغي» ظاهرة في الكراهة.
وقدِ استدلّ المصنِّف R في الذكرى أيضاً بأنّ في الإتزار فوق القميص تشبهاً بأهل الكتاب، وقد نهينا عن التشبّه بهم.
وفيه: ما لا يخفى، إذ ليس كلّ فعل مطابق لفعلهم يكون مرجوحاً.
ثمَّ إنّه لا تنافي بين صحيحة أبي بصير وصحيحة موسى بن القاسم البجلّي «قال: رأيت أبا جعفر الثاني N يصلّي في قميص قد اتزر فوقه بمنديل، وهو يصلّي»[v]f132، وكذا صحيحة موسى بن عمر بن بزيع «قال: قلتُ للرضا N: أشدّ الإزار والمنديل فوق قميصي في الصَّلاة؟ فقال: لا بأس به»[vi]f133، وفي نسخة الوسائل: «الأزرار».