الدرس 1128 _كتاب الخمس 8
لمشاهدة الفيديو يمكنكم الدخول على الرابط التالي:
الخميس 30 تشرين الثاني 2022 - الدرس رقم: 08
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: (أو سُرِق أو أُخِذ غيلةً فلآخذه)
ذهب جماعة من الأعلام منهم الشَّهيد الثَّاني وصاحب الجواهر (رحمهما الله): إلى أنَّ ما أُخِذ من دار الحرب سرقةً أو غيلةً يجب إخراج خُمُسه من حيث كونه غنيمةً، كما لو أُخِذ بالجهاد والمقاتلة معهم.
وذهب الأكثر إلى وجوب تخميسه من حيث كونه من أرباح المكاسب، فهو غنيمة بالمعنى الأعمّ. وعليه، فيكون الخُمُس بعد المؤونة، بخلاف الغنيمة بالمعنى الأخصّ -أي غنائم دار الحرب المأخوذة بالجهاد والقتال- فإنَّه يجب تخميسها بمجرَّد حصولها. نعم، تُستثنى المؤونة المصروفة في ضبط الغنيمة، ونقلها وحِفْظها، ونحو ذلك، كما تقدَّم.
إذا عرفت ذلك، فقد يستدلّ لكون المأخوذ سرقةً أو غيلةً هو بحكم الغنيمة بالمعنى الأخصّ -أي يجب تخميسه بمجرَّد حصوله-: بإطلاق الآية الشَّريفة. وفيه: أنَّ الغنيمة في الآية الشَّريفة تشمل مطلق الفائدة، سواء أكان ذلك بالقتال والمجاهدة أم بغير ذلك، فلا تدلّ الآية الشَّريفة على أنَّ الخُمُس في المقام من قبيل خُمُس غنائم دار الحرب الثَّابت من دون استثناء المؤونة -أي الغنيمة بالمعنى الأخصّ- أو غنائم الكَسْب الَّذي يثبت بعد مؤونة السَّنة، وإلَّا كان من قبيل التّمسُّك بالعامّ في الشُّبهة المصداقيّة.
والإنصاف: هو الرُّجوع إلى إطلاق الرِّوايات الدَّالّة على أنَّ الخُمُس بعد المؤونة، أي مؤونة السَّنة، خرج من تحت هذا الإطلاق الغنيمة بالمعنى الأخصّ، أي ما أُخِذ من دار الحرب بالجهاد والقتال، فإنَّه يخمّس بمجرَّد حصوله، وكذا خرج من تحته المعدن والكنز والغَوص، ونحوها، ويبقى الباقي تحت إطلاق الرِّوايات، ومنه ما أُخِذ سرقةً أو غيلةً. وعليه، فيكون من أرباح المكاسب، أي الغنيمة بالمعنى الأعمّ، فيُخمِّس بعد المؤونة، والله العالم.
*قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: (وما يُملك من أموال البُغاة غنيمة)
المراد من البُغاة هم الباغون على الإمام العادل، والمعروف بين الأعلام إلحاق البُغاة بالمشركين في وجوب الخُمُس في المغنم من أموالهم ممَّا حواه العسكر.
وفي الحدائق: (ظاهر الأكثر أنَّ حكم مال البُغاة الَّذي حواه العسكر حكم غنيمة دار الحرب، فإن أرادوا باعتبار وجوب الخُمُس فهو محلّ إشكال؛ إذ لا أعرف عليه دليلاً واضحاً، ومورد الآية والرِّوايات إنَّما هو أهل الحرب من المشركين، وإن أرادوا باعتبار حلّ ذلك للمسلمين فالتَّخصيص بما حواه العسكر، كما اشتهر عندهم، محلّ إشكال...).
وبالجملة، فإنَّ الأكثر على إلحاق البُغاة بالمشركين في وجوب الخُمُس في الغنيمة من أموالهم ممَّا حواه العسكر، كما عن العلَّامة (رحمه الله) في المختلف، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في الرَّوضة، وعن الخلاف: (دعوى إجماع الفرقة، وأخبارهم عليه...).
وقال المصنف (رحمه الله) في باب الجهاد: (ولا تُقسَّم أموالهم الَّتي لم يحوها العَسْكر إجماعاً -إلى أن قال:- وما حواه العَسْكر إذا رجعوا إلى طاعة الإمام حرام أيضاً، وإن أصرُّوا فالأكثر على أنَّ قسمته كقسمة الغنيمة، وأنكره المرتضى وابن إدريس، وهو الأقرب، عملًا بسيرة عليٍّ(عليه السَّلام) في أهل البصرة، فإنَّه أمر بردِّ أموالهم فأُخِذت حتَّى القُدور...).
أقول: ما ذهب إليه الأكثر من حلِّيّة مالهم، وأنَّه يُقسَّم بين المقاتلين، كما في الكافر الحربيّ، فقد يستدلّ لذلك بثلاثة أدلَّة:
الدليل الأوَّل: الإجماع المدَّعى من الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف. وفيه أوَّلاً: أنَّ الإجماع ممنوعٌ، وقد حُكِي المنع عن السّيِّد المرتضى وابن إدريس والعلَّامة والمحقِّق والشَّهيد الثَّانيَيْن (رحمهم الله). وثانياً: على فرض تحقُّقه، فإنَّه إجماعٌ منقولٌ بخبر الواحد، وقد عرفت أنَّ أدلَّة حُجِّيّة خبر الواحد لا تشمل الإجماع المنقول بخبر الواحد إلَّا الإجماع الدُّخوليّ، وهو غير متحقِّق؛ إذِ الإجماعات الموجودة في الخارج مبنيّة على قاعدة اللُّطف، وغيرها من الأمور المذكورة في محلِّها.
الدليل الثَّاني: الأخبار، كما عن الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف. وفيه: أنَّ هذه الرِّوايات على تقدير وجودها هي مراسيل لا يُعتمد عليها.
الدليل الثَّالث: قيام سيرة أمير المؤمنين (عليه السَّلام) على ذلك. وفيه: أنَّه لم تثبت هذه السِّيرة، بل ظاهر الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، والشَّهيد (رحمه الله) في باب الجهاد، أنَّ سيرته (عليه السَّلام) في أهل البصرة كانت على خلاف ذلك، حيث أمر (عليه السَّلام) بردّ أموالهم فأخذت حتَّى القُدور.
والإنصاف: أن يُقال: إنَّ الخارج على الإمام العادل تارةً: يكون ناصبيّاً -وهو المبغض لأمير المؤمنين (عليه السَّلام) وللأئمَّة (عليهم السَّلام)-. وأخرى: لا يكون الخارج ناصبيّاً، كما لو خرج وقاتل لأجل المال والرِّئاسة.
فإن كان الخارج ناصبيّاً، فالإنصاف: أنَّه يجوز أخذ ماله أينما وجد، ويجب تخميسه ابتداءً، كما في غنائم دار الحرب، ولا ينتظر الزِّيادة على مؤونة السَّنة؛ وذلك لإطلاق جملة من الرِّوايات:
منها: صحيحة حفص بن البُختريّ عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قَاْل: ((خُذْ مال النَّاصب حيثما وجدته، وادفع إلينا الخُمُس)) ([1]).
ومنها: رواية المعلَّى بن خُنيس، قال: ((قَاْل أبو عبد الله (عليه السَّلام): خُذْ مال النَّاصب حيثما وجدته، وادفع إلينا الخُمُس)) ([2]). ولكنَّها ضعيفة بالمعلَّى بن خُنيس، قال النَّجاشي في ترجمته: (كوفيّ بزَّاز ضعيفٌ جدّاً لا يعوَّل عليه)، وظاهرها وجوب الخُمُس ابتداءً.
وأمَّا القول: بأنَّهما مقيَّدان بما دلّ على أنَّ الخُمُس بعد المؤونة. فيرد عليه: أنَّ ما دلَّ على أنَّ الخُمُس بعد المؤونة -كما في صحيحة ابن مَهْزِيار الآتية إن شاء الله تعالى: بعد مؤونته ومؤونة عياله، وبعد خراج السُّلطان- ناظرٌ إلى الفائدة الحاصلة بالاكتساب من الصِّناعة والتِّجارة والإجارة، ولا يشمل ما نحن فيه.
وبالجملة، فإنَّ إطلاق هاتَيْن الرِّوايتَيْن هو وجوب الخُمُس ابتداءً من غير انتظار الزِّيادة على مؤونة السَّنة.
([1]) وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح6.
([2]) وسائل الشيعة: باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ح7.