الدرس 1156 _كتاب الخمس 36
هل يختصّ الحكم بأرض الزَّراعة، أم يشمل مطلق الأرض الَّتي اشتراها الذِّمّيّ من المسلم، ولو أرض الدَّار والمسكن وأرض الدُّكّان وأرض البستان؟ فلو اشترى الدَّار من المسلم، فيجب تخميس أرضها، وهكذا.
المشهور بين الأعلام: عدم الاختصاص.
وعن الفاضلَيْن والمحقِّق، وجماعة من الأعلام (رحمهم اﷲ) أيضاً: تخصيص الحكم بأرض الزِّراعة، قال في المعتبر: (والظاهر أنَّ مراد الأصحاب أرض الزِّراعة لا المساكن)([1]).
وفي المدارك: (أنَّه جيِّد؛ لأنَّه المتبادر...)([2]).
وفي الجواهر بعد أن ذكر كلام صاحب المدارك (رحمه اﷲ) : (ولعلَّه لا يخلو من وجه؛ للأصل، ودعوى تبادر ذلك من الأرض وتعارف التَّعبير عن غيرها بالدَّار والمسكن، إلاَّ أنَّ فيهما معاً تأمُّلاً، خصوصاً إن أرادا حتَّى الأرض المتَّخذة للمسكن، فالأولى ثبوت الخُمُس، سواء كانت مزرعاً أو مسكناً...)([3]).
أقول: تارةً: تكون الأرض الَّتي اشتراها الذّمّي يريد أن يقيم عليها داراً أو مسكناً أو بُستاناً.
وأخرى: تكون مشغولةً بالفعل بالعمارة والأشجار ونحوها ممَّا يطلق عليه بالفعل اسم الدَّار والحمّام والبستان، ونحوه.
فإن كانت من القسم الأوَّل، فالإنصاف: أنَّه يجب فيها الخُمُس، ولا مقتضي لانصراف الأرض عن الأرض الَّتي اشتراها ليقيم عليها داراً أو مسكناً، ونحو ذلك، وإن لم تكن بالفعل قابلة للزرع.
وأمَّا إن كانت من القسم الثاني أي ما إذا كانت مشغولةً بالفعل بالعمارة والأشجار ونحوها ممَّا يُطلق عليه بالفعل اسم الدَّار والبستان ونحوهما : فالإنصاف: أنَّه يجب فيها الخُمُس أيضاً؛ لأنَّ شراء أرض الدَّار وأرض البُستان ملحوظٌ جزءاً من المبيع، فالمشتري إذا اشترى الدَّار والدُّكان والبستان فهو يشتري العمارة والأشجار وأرضهما، فالملحوظ حين البيع والشِّراء هو المجموع، ولا معنى لانصراف الأرض الَّتي يشتريها عن أرض الدَّار والبستان، ونحوهما.
نعم، لو كان دخول الأرض في المبيع في مثل هذه الأشياء بالتَّبع، أي أنَّها بعنوان أرضيّتها غير متعلّقة للشِّراء، بل دخولها في المبيع كغيرها من أجزاء الدَّار، كالجصّ والآجر والأحجار والأخشاب، ونحوها ممَّا لا يكون بعنوانه الخاصّ مقصوداً بالشِّراء، لَتمّ ما ذُكِر من دعوى الانصراف؛ لأنَّها غير ملحوظة جزءاً من المبيع حين الشِّراء، فلا موجب حينئذٍ للقول بالخُمُس.
ولكنَّك عرفت أنَّ دخولها في المبيع ليس بالتَّبع، كدخول الجصّ والأحجار والأخشاب ونحوها، بل هي جزء من المبيع، بحيث كانت ملحوظة حين البيع، وأنَّ الثَّمن وقع على كلٍّ من العمارة والأرض، فلا موجب للانصراف حينئذٍ، فإذا اشترى الدَّار والبستان ونحوهما فيصدق عرفاً أنَّه اشترى الأرض أيضاً، فيصدق عليها أنَّ الذِّمّيّ اشترى أرضاً من مسلم، فيجب فيها الخُمُس، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: وإن لم يكن في أصلها الخُمُس.
المعروف بين الأعلام أنَّه لا فرق في الأرض الَّتي يجب فيها الخُمُس بين أن تكون ممَّا يجب فيه الخُمُس، كالأرض المفتوحة عنوةً حيث يصحّ بيعها، كما لو باعها الإمام (عليه السلام) في مصالح المسلمين، أو باعها أهل الخُمُس من سهمهم الَّذي وصل إليهم؛ لما عرفت من ثبوت الخُمُس في الأراضي المفتوحة عنوةً، بل يجب الخُمُس أيضاً في المبيع من الأراضي الخراجيّة تبعاً للآثار، بناءً على حصول الملك للمتصرّف بذلك، وإن كان يزول بزوال تلك الآثار، كما صرّح جمع من المتأخِّرين.
وبالجملة، فإنَّه لا فرق في ثبوت الخُمُس في هذه الأرض، سواء أكانت ممَّا يجب فيه الخُمُس، كالأرض المفتوحة عنوةً، أم لم تكن ممَّا يجب فيه الخُمُس، كالأرض الَّتي أسلم عليها أهلها طوعاً، واﷲ العالم.
* * *
قال الشهيد الاول رحمه الله في الدروس: إمّا من رقبتها أو من ارتفاعها.
المعروف بين الأعلام أنَّ الذِّمّي يتخيّر بين دفع الخُمُس من العين أو القيمة؛ ولا يجب عليه دفع العين بالخصوص، كما مرّ في مبحث الزَّكاة، ولا يحتاج إلى رضا المستحقّ في دفع القيمة عوضاً عن خُمُس الأرض.
وأمَّا إذا لم يدفع الذِّمّيّ القيمة، فيتخيّر مَنْ إليه أمرُ الخُمُس بين أخذ رقبة الأرض وبين ارتفاعها، أي حاصلها من إجارة وحصّة مزارعة، ونحوهما، كما هو المشهور بين الأعلام، ومنهم المصنِّف (رحمه اﷲ) هنا وفي البيان.
قال الشَّهيد الثَّاني (رحمه اﷲ) في المسالك: (ويتخيَّر الإمام (عليه السلام) أو الحاكم بين أخذ خُمُس العين أو خُمُس الارتفاع...)([4]).
وقال المصنِّف (رحمه اﷲ) في المنسوب إليه من حواشي القواعد: (ويتخيَّر الإمام (عليه السلام) بين خُمُس أصلها وحاصلها...)([5]).
أقول: الوجه في التَّخيير هو عدم الدَّليل على إلزام مَنْ إليه أمرُ الخُمُس بأخذ العين.
وعليه، فإذا أبقاها يصبح شريكاً مع المالك في العين، ومقتضى الشَّراكة في العين هو الشَّراكة في حاصلها، وبما أنَّ النَّاس مسلَّطون على أموالهم فيستطيع مَنْ إليه أمرُ الخُمُس أن يُؤجِّرها، كما لا يخفى.
وكما أنَّه لا دليل على إلزام مَنْ إليه أمرُ الخُمُس بأخذ العين،
أيضاً لا دليل على إلزام المالك بدفع الأُجرة، أي حاصلها؛ إذ له الخروج عن عُهدة الخُمُس بدفع العين، فلا يجب عليه الالتزام بدفع الأجرة إذا أرادها مَنْ إليه أمرُ الخُمُس.
نعم، لا إشكال في ذلك إذا رضي الذِّمّيّ بدفع الأجرة، وأمَّا مع عدم رضاه فلا.
([1]) المعتبر: ج2، ص624.
([2]) المدارك: ج5، ص386.
([3]) الجواهر: ج16، ص66.
([4]) المسالك: ج1، ص466.
([5]) حكاه عنه في الجواهر: ج16، ص68.