الدرس 1203 _كتاب الصوم 3
الفائدة الثَّالثة: حِكْمة فرض الصِّيام.
ففي صحيحة هشام بن الحكم «أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن علّة الصِّيام؟ فقال: إنَّما فرض الله الصِّيام ليستوي به الغنيّ والفقير، وذلك أنَّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجُوع فيرحم الفقير، لأنَّ الغنيَّ كُلّما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله تعالى أنْ يُسوّي بين خلقه، وأنْ يُذيق الغنيّ مسّ الجُوع والألم ليرقّ على الضَّعيف، ويرحم الجائع»[1].
ورُوي عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) «أنَّه قال: جاء نفرٌ مِنَ اليهُود إلى رسول الله (ص) فسأله أعلمهم عن مسائل، فكان في ما سأله أنَّه قال له: لأيّ شيءٍ فرض الله الصَّوم على أُمَّتك بالنَّهار ثلاثين يوماً، وفرض الله على الأُمم أكثر من ذلك؟ فقال النَّبيّ (ص): إنَّ آدم لمَّا أكل من الشَّجرة بقي في بطنه ثلاثين يوماً، ففرض الله على ذُريَّته ثلاثين يوماً الجوع والعطش، والَّذي يأكلونه باللَّيل تفضُّلٌ من الله عليهم، وكذلك كان على آدم (عليه السلام)، ففرض الله ذلك على أُمَّتي، ثمَّ تلا هذه الآية: «ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ù أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ...﴾ ]البقرة: 183184[، قال اليهُوديّ: صدقت يا محمَّد! فما جزاء من صامها؟ قَاْل: فقال النَّبيّ (ص): ما من مُؤمنٍ يصوم شهر رمضان احتساباً إلاَّ أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خِصال: أوَّلها: يذوب الحرام في جسده، والثَّانية: يقرب من رحمة الله (عز وجل)، والثَّالثة: يكون قد كفَّر خطيئة آدم أبيه، والرَّابعة: يُهوّن الله عليه سَكَرات الموت، والخامسة: أمانٌ من الجُوع والعطش يوم القيامة، والسَّادسة: يُعطيه الله براءةً من النَّار، والسَّابعة: يُطعمه الله من طيّبات الجنَّة، قَاْل: صدقتَ يا محمَّد!»[2].
ولكنَّها ضعيفة في الفقيه بوجود اثنَيْن من أحفاد البرقيّ في السَّند، وهما مُهملان.
كما أنَّها ضعيفة بعدم وثاقة أبي الحسن عليّ بن الحُسَين البرقيّ، وبجهالة الحسن بن عبد الله.
كما أنَّها ضعيفة في العِلل والخِصال والمجالس بعدم وثاقة أبي الحسن عليّ بن الحُسَين البرقيّ، وجهالة الحسن بن عبد الله.
والخلاصة: أنَّ ما ورد في فضل الصَّوم وفوائده أكثر من أنْ يُحصى، فضلاً عمَّا ورد في خُصوص شهر رمضان منه، ورجب، وشعبان، ويوم الغدير، وأيّام البيض، وكلّ خميس وجمعة واثنين، وثلاثة أيّام من كلِّ شهرٍ، فإنَّ الرِّوايات الواردة في هذه الأيام الثَّلاثة متواترةٌ، وفيها الصِّحاح والحِسان، والأفضلُ في كيفيَّتها: صيام أوَّل خميسٍ في العشر الأُولى من الشَّهر، وآخر خميسٍ في العشر الثَّالثة منه، وأوَّل أربعاء في العشر الأواسط.
وهذه الأيّام الثَّلاثة تتلو شهر رمضان من حيث الفضل، بل ورد أنَّها صوم الدَّهر، فهنيئاً لِمَنْ يُوفَّق لصيامها.
أضف إلى ذلك: أنَّ في الصَّوم من الحِكم العجيبة والأسرار الغريبة من معرفة عِظَم فضل الله في المأكل والمَشْرب والمنكح، وغير ذلك، ممَّا لا يخفى على مَنْ كان مسرح عقله الخوض في حِكَم الله ومُراعاة أسراره، على تفاوت النَّاس في هذه المرتبة، حتَّى تنتهي إلى أهل العصمة (عليهم السلام)، فإنَّهم يعرفون ما فيه من الأسرار ما لا يعرفه غيرهم.
الفائدة الرَّابعة: وجوب الصَّوم في شهر رمضان ثابتٌ بالكتاب، والسُّنّة، والتَّسالم بين جميع المسلمين، بل وجوبه من ضروريَّات الدِّين.
أمَّا الكتاب المجيد، فقوله تعالى: «ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ùأَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْل úشَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ ]البقرة: 183185[.
وأمَّا السُّنّة النَّبويّة، فمتواترة، وفي بعض الرِّوايات: أنَّه ممَّا بُني عليه الإسلام، كما في حسنة زرارة المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَاْل: بُني الإسلام على خمسة أشياءَ: على الصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والصُّوم، والحجِّ، والولايةِ، وقال رسول الله (ص): الصُّوم جُنّة من النار»[3].
والمراد من الصَّوم هو صوم شهر رمضان المبارك.
وأمَّا التَّسالم بين المسلمين، فهو واضح، بل وجوب صوم شهر رمضان المبارك من ضروريَّات الدِّين.
وعليه، فمُنكره منكرٌ للضَّروريّ، فيجري عليه حُكمه، وقد تقدَّم في مبحث نجاسة الكافر في كتاب الطَّهارة، البحث عن أنَّ إنكار الضَّروريّ يُوجب الكُفر مُطلقاً، أو بشرط علم المُنكر بأنَّه من الدِّين، بحيث يرجع إنكاره إلى تكذيب النَّبيّ (ص)؟ فراجع، فإنَّه مهمّ.
الفائدة الخامسة: اِختُلف في رمضان، فقيل: إنَّه اسم من أسماء الله تعالى، وعلى هذا فمعنى شهر رمضان: شهر الله، وقد ورد في ذلك عدَّة رواياتٍ:
منها: رواية سعد عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَاْل: كنَّا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان، فقال: لا تقولوا: هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان، فإنَّ رمضان اسمٌ من أسماء الله (عز وجل) لا يجيء ولا يذهب، وإنَّما يجيء ويذهب الزَّائل، ولكن قولوا: شهر رمضان، فالشَّهر مضافٌ إلى الاسم، والاسم اسم الله عزَّ ذكره، وهو الشَّهر الَّذي أُنزل فيه القرآن، جعله (الله) مثلاً (وعيدًا) ووعيداً»[4].
وهي ضعيفة؛ لأنَّ سعد بن ظريف وهو سعد الخفَّاف لم تثبت وثاقته عندنا، وقول الشَّيخ (رحمه الله): «إنَّه صحيح الحديث»[5]، لا يدلّ على التَّوثيق؛ لأنَّ الصِّحَّة عند المتقدِّمِين بمعنى صُدور الحديث لقرائن، وهو أعمّ من التَّوثيق.
ومنها: مُعتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) «قَاْل: قَاْل أميرُ المؤمنين (عليه السلام): لَاْ تقولوا: رَمَضَان، ولكنْ قُولُوا: شهرُ رمضان، فإنَّكُمْ لَاْ تدرُون ما رَمَضَان»[6].
ومنها: ما رواه في الوسائل عن عليّ بن موسى بن طاووس في كتاب الإقبال نقلاً من كتاب الجعفريات، قال صاحب الوسائل (رحمه الله): «وهي ألف حديث بإسناد واحد عظيم الشَّأن إلى مولانا موسى بن جعفر (عليه السلام)، عن آبائه، عن عليٍّ (عليهم السلام) قَاْل: لا تقولوا: رمضان، فإنَّكم لا تدرون ما رمضان؟ فمَنْ قاله فَلْيتصدَّق وليَصُمْ كفَّارةً لقوله، ولكن قُولُوا كما قال الله (عز وجل): شهر رمضان»[7].
وفيه: أنَّ هذا الإسناد مخدوشٌ، فإنَّ موسى بن إسماعيل الموجود في السَّند مجهول.
هذا، مع قطع النَّظر عن إسماعيل والده. وكذا غيرها من الرِّوايات.
ولا يخفى: أنَّ النَّهي في هذه الرِّوايات محمولٌ على الكراهية.
وعليه، فقوله (عليه السلام): «فَلْيتصدَّق، وَلْيصُم كفَّارةً» محمولٌ على الاستحباب.
ثمَّ إنَّ هناك قولاً آخر: بأنَّ رمضان عَلمٌ للشَّهر، كرجب وشعبان، ومنعُ الصَّرف للعلميّة، والألف والنون.
ولكنَّ القول الأوَّل الَّذي دلَّت عليه الرِّوايات هو الأقوى.
[1] الوسائل باب 1 من أبواب وجوب الصَّوم ونيّته ح1.
[2] الوسائل باب 1 من أبواب أحكام شهر رمضان ح4.
[3] الوسائل باب 1 من أبواب الصَّوم المندوب ح1.
[4] الوسائل باب 19 من أبواب أحكام شهر رمضان ح2.
[5] رجال الطوسيّ: ص92.
[6] الوسائل باب 19 من أبواب أحكام شهر رمضان ح1.
[7] الوسائل باب 19 من أبواب أحكام شهر رمضان ح3.