الدرس 1232 _كتاب الصوم 32
ولو نوى إفطار غدٍ، ثمَّ جدّد قبل الزَّوال، فوجهان مُرتّبان، وأولى بالإبطال (2)
(2) تارةً: ينوي الإفطار في يوم من شهر رمضان، ثمَّ يُجدِّد النِّيّة للصَّوم قبل الزَّوال.
وأخرى: ينوي الإفطار في يوم من الواجب غير المُعيّن.
أمَّا بالنِّسبة للأوَّل أي ما لو نوى الإفطار في يوم من شهر رمضان : فالمشهور بين الأعلام شهرةً عظيمةً هو أنَّه لا ينعقد الصَّوم، وعليه القضاء؛ لأنَّ الإخلال بالنِّيّة في جُزء من الصَّوم يقتضي فساد ذلك الجُزء؛ لفساد شرطه، ويلزم منه فساد الكُلّ؛ لأنَّ الصَّوم لا يتبعّض، فيجب قضاؤه. وأمَّا دليل التَّجديد، فهو لا يشمل هذه الصُّورة حتماً.
وأمَّا بالنِّسبة للثَّاني أي مَا لو نوى الإفطار في يومٍ من الواجب غير المُعيّن : فالمعروف بينهم أنَّه يجوز تأخير النِّيّة اختياراً إلى ما قبل الزَّوال وعندنا أنَّه يجوز تأخيرها إلى ما بعد الزَّوال، كما تقدَّم فإذا جدّد النِّيّة قبل الزَّوال صحّ صومه.
وحُكي عن العلاّمة (رحمه الله) في المُنتهى البطلان من غير نقل خلافٍ. ولعلَّه يُريد غير هذه الصُّورة.
ثمَّ إنَّ وجه أولويّة الإبطال الَّذي ذكره المُصنِّف (رحمه الله) هو أنَّه يلزم خُلوّه في جُزء من النَّهار عن الصَّوم، وعن حكم الصَّائم؛ لعدم انعقاد الصَّوم قبله، والصَّوم لا يتبعّض، فيلزم البطلان. وهذا بخلاف ما لو تجدَّد له عزمٌ على الإفطار في الأثناء؛ إذ يمكن القول حينئذٍ ببقاء الصَّوم الذي انعقد صحيحاً قبله.
* * *
ولو نوى النَّدب، فظهر الوجوب، جدَّد نيَّة الوجوب وأجزأ (1)
(1) إذا نوى النَّدب، فظهر الوجوب، كما لو نوى صوم آخر شعبان ندباً، ثمَّ ظهر أنَّه من شهر رمضان، أجزأ عن شهر رمضان.
وفي الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه، بل ربَّما ظهر من المُصنِّف، والفاضل نفيه بين المسلمين، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيضٌ حدّ الاستفاضة إن لم يكن مُتواتراً...»[1].
أقول: لا كلام في الإجزاء، كما سيأتي تفصيله قريباً إن شاء الله تعالى عند قول المُصنِّف (رحمه الله): «ويتأدَّى رمضان بنيّة النَّفل مع عدم علمه...»، وإنَّما الكلام هنا في أنَّه هل يجب عليه تجديد نيَّة الوجوب إذا ظهر في الأثناء أنَّه من رمضان أم لا؟
قد يُقال: بوجوب تجديد النِّيّة؛ ليصرف الوجوب عن النَّدب الَّذي نواه أوَّلاً وإن لم نقل باشتراط التّعرُّض لنيّة الوجه مع التَّعيين؛ لأنَّ المُطلق ينصرف إلى المُتعيِّن، بخلاف ما لو عيَّن غيره، فيحتاج حينئذٍ إلى التَّعيين.
ولكنَّ الإنصاف أن يُقال: إنَّ إطلاق الرِّوايات كما سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى يقتضي الإجزاء بذلك، وإن لم يُجدّد النِّيّة إذا ظهر أنَّه من شهر رمضان في أثناء النَّهار.
نعم، الأحوط وجوباً: تجديد النِّيّة. وقد عرفتَ أنَّه لا تجب نيّة التَّعيين في صوم شهر رمضان.
* * *
وإن كان بعد الزَّوال (1)
(1) إذا أجزأ صوم اليوم الذي ظهر أنَّه من رمضان بعد مضيّ اليوم، فلو ظهر في الأثناء، وجدَّد النِّيّة بناءً على وجوب التَّجديد فبطريق أَولى أنَّه يُجزي، كما لا يخفى.
* * *
وكذا لو نوى الوجوب عن سببٍ، فظهر استحقاق صوم اليوم بغيره، جدَّد التَّعيين (2)
(2) إذا نوى الوجوب عن سبب، كقضاء رمضان مثلاً، فظهر استحقاق صوم اليوم بغيره، كما لو ظهر أنَّه من شهر رمضان، أو ظهر أنَّه من النَّذر المُعيّن، فقد ذكر المُصنِّف (رحمه الله): أنَّه يُجدّد التَّعيين، أي ينوي السَّبب الذي ظهر ثانياً.
ولكنَّك عرفتَ أنَّه لا تجب نيّة التَّعيين في صوم شهر رمضان، كما لا تجب نيّة التَّعيين في النَّذر المُعيّن.
وعليه، فلا يجب عليه تجديد النِّيّة للسَّبب الذي ظهر له.
* * *
وهنا يجب التَّعيين في رمضان (1)
(1) ذهب المُصنِّف (رحمه الله) هنا إلى وجوب التَّعيين في رمضان وإن لم يشترط التَّعيين فيه إن لم يُعيّن غيره أوّلاً.
والسَّبب في وجوب التَّعيين هنا: هو أنَّه نوى غيره، فلابُدّ من نيّته؛ ليصرفه عمَّا نواه أوّلاً.
ولكنَّه احتمل (رحمه الله) في البيان: عدم وجوب التَّعيين هنا أيضاً؛ استصحاباً لما كان في أصل صوم رمضان من عدم اشتراط التَّعيين.
وصرَّح المُحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر بوجوب التَّجديد.
وفي المدارك: «وهو إنَّما يتمّ إذا اعتبرنا ذلك في صوم رمضان. نعم، لا بأس باعتبار التَّعيين هنا وإن لم يفتقر إليه صوم رمضان؛ لتعلُّق النِّيّة بغيره، فلا ينصرف إليه بغير نيَّة...»[2].
وفيه: أنَّ الانصراف هنا شرعيّ لا مدخليّة للنِّيّة فيه.
ومن هنا، كان الإنصاف: عدم وجوب التَّعيين؛ وذلك لإطلاق الرِّوايات المُقتضية للإجزاء بذلك وإن لم يُجدّد النِّيّة وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر هذه الرِّوايات قريباً.
* * *
فروعٌ: لو عدل من فرضٍ إلى فرضٍ لم يَجُز مع تعيين الزمان للأوَّل (1)
(1) المعروف بين الأعلام أنَّه لا يجوز العدول بالنِّيّة من فرضٍ تعيَّن الزَّمان له كالنَّذر المُعيّن بهذا اليوم إلى فرضٍ آخر، كالنَّذر المُطلق، أو قضاء رمضان؛ لأنَّ الأصل عدم جواز التَّبديل.
نعم، ثبتَ ذلك في باب الصَّلاة في موارد مخصوصة؛ للنَّصّ، كالعدول من الحاضرة إلى الفائتة، أو من اللاَّحقة إلى السَّابقة، كالمُترتّبين ونحو ذلك، ولا يُقاس ذلك على ما نحن فيه.
وثبت ذلك هنا أيضاً في الواجب غير المُعيّن إذا كان العدول قبل الزَّوال، فإنَّ الظَّاهر أنَّه يصحّ العدول؛ لما عرفت من أنَّ وقت النِّيّة في الواجب غير المُعيّن عند المشهور يمتدّ إلى الزَّوال، كالمنذور مطلقاً، وكذلك القضاء، فلو عدل إلى واجب غير مُعيّنٍ لصحَّ ذلك.
نعم، لو كان العدول بعد الزَّوال، فلا يصحّ على المشهور.
وأمَّا على ما ذهبنا إليه، فإنَّه يصحّ.