الدرس 1238 _كتاب الصوم 38
أقول: قد عرفت سابقاً أنَّه لا يُشترط نيَّة التَّعيين في صحَّة صوم شهر رمضان.
وعليه، فهل تؤثِّر نيَّة صوم غيره واجباً أو ندباً مع علمه بكون الغد من شهر رمضان في بطلان صوم الغد، وعدم وقوعه عن شهر رمضان؟
قد يُقال: نعم؛ لأنَّ نيّة صوم غير رمضان تُنافي نيّة صوم رمضان.
وفيه: أنَّه لا تنافي بينهما؛ لأنَّه لم ينوِ صوم الغد من رمضان؛ لِما عرفت من عدم اشتراط نيّة التَّعيين في شهر رمضان.
وعليه، فلا مُنافاة بين ذلك وبين نيَّة الصَّوم من غير رمضان.
نعم، نيَّة صوم الغد من غير شهر رمضان تكون لاغيةً لا عِبرة بها؛ إذ لا يقع في شهر رمضان صوم غيره من أفراد بقيّة الصَّوم.
وأمَّا وجوب اشتراط مطابقة النِّيّة للمنويّ، فلا دليل عليه، بل الواجب هو الإمساك في ذلك الوقت قُربةً إلى الله تعالى، وهو حاصلٌ في المقام.
فلَم يبقَ في المقام إلاَّ القول بكون هذه النِّيّة منهيّاً عنها، والنَّهي يُوجب الفساد.
وفيه: أنَّ النَّهي عنها مبنيٌّ على القول بأنَّ الأمر بالشَّيء يقتضي النَّهي عن ضدّه، أي أنَّ الأمر بصوم شهر رمضان يقتضي النَّهي عن نيَّة صوم غيره فيه، وقد عرفت في مبحث الضّدّ في علم الأصول أنَّ الأمر بالشَّيء لا يقتضي النهي عن ضده.
والخُلاصة: أنَّ الصَّوم في المقام يُجزئ عن شهر رمضان وفاقاً للسّيِّد المُرتضى (رحمه الله)، والشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، والمُحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر والشَّرائع.
وينسحبان في المُعيّن غيره لو نوى فيه غيره (1)
(1) أي ينسحب القول بالبطلان، والقول بتأدِّي الواجب في الزَّمان، على التَّعيين في المُعيّن غيره، كاليوم المنذور صومه بخصوصه لو نوى فيه غيره من واجب أو نفل.
نعم، القول: بالمنع فيه أظهر على ما هو الأقوى عند المُصنِّف (رحمه الله) من اشتراط نيّة التَّعيين، أي تعيين سبب الصَّوم فيه، وعدم كفاية الإطلاق لعروض تعيينه.
ولكنَّك عرفت سابقاً أنَّه لا يحتاج إلى نيَّة التَّعيين فيه أيضاً.
وعليه، فحُكمه من هذه الجهة حُكم ما لو نوى صوم غير شهر رمضان في شهر رمضان مع علمه بذلك. وقد تقدَّم أنَّه يُجزي عن شهر رمضان، ويقع عنه، فكذلك هنا، فإنَّه يُجزي عن المُعيّن لو نوى غيره فيه.
* * *
ولا يُجزئ عمَّا نواه في الموضعَيْن إجماعاً (2)
(2) المعروف بين الأعلام أنَّه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره واجباً أو مندوباً، وفي الجواهر: «فالمشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً أنَّه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره واجباً أو مندوباً، من المُكلَّف بصومه وغيره، كالمسافر ونحوه، بل هو المعروف في الشَّريعة، بل كاد يكون من قطعيّات أربابها إن لم يكن من ضروريّاتها...»[1].
أقول: أمَّا عدم وقوع صوم غيره واجباً أو مندوباً من المُكلَّف بصوم شهر رمضان، فهو متسالمٌ عليه بين الكُلّ قديماً وحديثاً، بل هو من البديهيّات، ولا يحتاج الكلام فيه إلى الإطالة.
وأمَّا غير المُكلَّف بصوم شهر رمضان، كالمسافر ونحوه، فسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى عند قول المُصنِّف (رحمه الله): «ولا على المُسافر حيث يجب القصر. ولا يصحّ منه صوم رمضان وإن نذره. ولو صام رمضان ندباً، أو كان عليه صوم شهر مُقيّد بالسَّفر فصامه عنه، فظاهر الشَّيخ الجواز. ومنعه الفاضلان».
هذا بالنِّسبة لشهر رمضان.
وأمَّا بالنِّسبة للمُعيّن غير شهر رمضان لو نوى فيه غيره، فأيضاً لا يصلح الزَّمان لوقوع الغير فيه بالعارض لا بأصل الشَّرع فيما لو علم بنذر صوم اليوم المُعيّن.
أمَّا لو غفل عن نذره، ونوى قسماً آخر من الصَّوم، فلا إشكال في صحّته مع الغفلة عن نذره؛ لأنَّ تعلُّق النَّذر بصوم ذلك اليوم لا يصلح مانعاً عن صحَّة صومه تطوُّعاً أو نيابةً عن الميِّت أو نحو ذلك لدى الغفلة عن نذره.
* * *
ويتأدَّى قضاء رمضان بنيَّة أدائه في الجاهل بالشُّهور (1)
(1) إذا كان جاهلاً بالشُّهور، ولا يعرفها؛ لحبس أو أسر، ونحو ذلك، فتحرَّى، أي اجتهد حتَّى حصل له الظَّنّ بالشَّهر حيث لا يتمكَّن من تحصيل العلم بشهر رمضان عَمِل على طبق الظَّنّ، فيصوم الشَّهر الَّذي ظنَّه أنَّه رمضان. فإذا اتَّفق في الواقع أنَّه رمضان فبها. وإذا اتَّفق كونه بعد شهر رمضان، فيجزيه، كما لو صام شهر ذي القعدة بعنوان أنَّه رمضان حسب ظنّه، فهو وإن نواه أداءً، ولكنَّه في الواقع قضاء، فيكون قد أتى بالقضاء بنيّة الأداء، وهذا لا مانع منه.
وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيله مع أدلَّة المسألة قريباً عند قول المصنِّف (رحمه الله): «ويجب على هذا في كلّ سنةٍ شهر بحسب ظنّه».
وكان المفروض أن يُؤخِّر (رحمه الله) ما ذكره هنا إلى ما بعد مسألة وجوب التحّرِّي على الجاهل، ولكنَّه (رحمه الله) قدَّمها؛ لمناسبتها لسياق المسائل السَّابقة.
* * *
ولو ظهر سَبْق صومه على رمضان لم يُجزئ (1)
(1) لأنَّه أتى به قبل وقته، فلا يُجزيه، كما لو صام رجب بظنّ أنَّه شهر رمضان.
وعليه، فلو ظهر له رمضان بعد ذلك صامه بلا إشكال؛ لأنَّه مُكلَّفٌ بصيامه، ولا مُسقط له. ولو كان بعد انقضاء الشَّهر فعليه قضاؤه؛ لعدم إتيانه في وقته.
* * *
وحُكم المُعيّن كذلك (2)
(2) ذكر المُصنِّف (رحمه الله)، وجماعة من الأعلام أنَّ حكمَ المُعيّن مثلُ حُكم شهر رمضان من حيث التّحرِّي عند الجهل إذا ظهر تأخُّره أو سبقه؛ بتقريب ما سبق.
ولكن سيأتي إن شاء الله تعالى قريباً أنَّ حُكمه ليس حُكم شهر رمضان فيما لو ظنّ بالمُعيّن؛ إذ الظَّنّ ليس حُجّة إلاَّ في بعض الموارد الَّتي قام الدَّليل عليها بالخصوص، وليس منها المُعيّن.
[1] الجواهر: ج16، ص203.