الدرس 9 _ما يجب فيه الزكاة 5
الدَّليل الثَّاني: حسنة زرارة ومحمَّد بن مسلم بطريق الكُلَيْني وصحيحتهما بطريق الشَّيخ «أنَّهما قالا: ليس على مال اليتيمِ في الدَّينِ والمالِ الصَّامت شيءٌ، فأمَّا الغلاَّت فعليها الصَّدقةُ واجبةٌ»([1])، والضَّمير في (قالا) راجع إلى أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، كما في رواية الشَّيخ.
والجواب: أمَّا عَنِ الدَّليل الأوَّل، أي الإطلاقات:
فأوَّلاً: أنَّه لا إطلاق فيها يشمل مال الصَّغير؛ لأنَّها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، وإنَّما هي واردة في مقام بيان تعيين المقدار الواجب إخراجه بعد الفراغ عن أصل ثبوت الزَّكاة، وليست في مقام بيان مَنْ تجب عليه الزَّكاة.
وثانياً: لو سلَّمنا بالإطلاق، إلاَّ أنَّ صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قَاْلَ: ليسَ في مالِ اليتيمِ زكاةٌ»([2])، حاكمة على تلك المطلقات، فإنَّ النِّسبة بين صحيحة زرارة، وبين المطلقات، وإن كانت هي العموم والخصوص من وجه؛ لأنَّ المطلقات بناءً على ثبوت الإطلاق تشمل اليتيم وغيره كما أنَّ الصَّحيحة تشمل ما سقته السَّماء وغيره من الغلات، كما تشمل الإبل والغنم والبقر والنَّقدين، إلاَّ أنَّ صحيحة زرارة ناظرة إلى تلك المطلقات ومبيِّنة للمراد منها، ولهذا لا يتوهَّم أحد ممَّنْ سمع بهذه الرِّوايات المعارضة بينها.
هذا كلُّه مضافاً لما ورد في موثَّقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنَّه سمعه يقول: ليسَ في مالِ اليتيمِ زكاةٌ، وليسَ عليه صلاةٌ، وليس على جميعِ غَلاَّتِه مِنْ نخلٍ أو زرعٍ أو غلَّةٍ زكاة...»([3])، فإنَّها نصٌّ في المدَّعى، ولا تعارضها تلك المطلقات.
وأمَّا الجواب عن الدَّليل الثَّاني أي صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم بطريق الشَّيخ : فقد ذكر جماعة الأعلام أنَّ قوله (عليه السلام) «فأمَّا الغلاَّت فعليها الصَّدقة واجبةٌ»، يحمل على الاستحباب؛ جمعاً بينها وبين موثَّقة أبي بصير المتقدِّمة.
ولكنْ قد يُقَال: إنهما متعارضتان، ولا يمكن الجمع العرفي بينهما؛ لأنَّ قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم: «فعليها الصَّدقة واجبةً»، أي ثابتة، وفي موثَّقة أبي بصير: «ليسَ على جميع غَلاَّتِه من نخلٍ أو زرعٍ أو غلّةٍ زكاةُ»، أي ليست ثابتةً، ولا يخفى التَّنافي بينها.
وبما أنَّ موثَّقة أبي بصير مخالفة للعامَّة، فتُقدَّم على صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم؛ لأنَّ مخالفة العامَّة مِنْ جملة المرجِّحات في باب التَّعارض.
ثمَّ إنَّه على فرض عدم ثبوت المخالفة للعامَّة فتتعارضان وتتساقطان، ويكون المرجع هو الأصل العمليِّ، وهو عدم ثبوت زكاة الغلاَّت على الصَّبيِّ، لا وجوباً ولا استحباباً.
والخلاصة: أنَّ المطلقات بناءً على ثبوت الإطلاق فيها محكومة بصحيحة زرارة المتقدِّمة.
وأمَّا الدَّليل الثَّاني وهو صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم : فقد عرفت أنَّه مُعارَض بموثَّقة أبي بصير المرجِّحة على الصَّحيحة بمخالفتها للعامَّة، هذا كلُّه بالنسبة للغَلاَّت.
وأمَّا المواشي، فلا يوجد ما يدلُّ على وجوب الزكاة فيها على الصَّبيِّ، إلاَّ المطلقات المتقدِّمة، وقد عرفت أنَّه لا إطلاق فيها، وعلى فرض ثبوته، فهو محكوم بصحيحة زرارة.
وأمَّا استحباب إخراج زكاتها، فلا دليل عليه أيضاً، إلاَّ على القول: بعدم الفَصْل بينها وبين الغلاَّت.
وفيه أوَّلاً: أنَّ الاستحباب لم يثبت في الغلاَّت، كما عرفت.
وثانياً: أنَّ جماعة مِنَ الأعلام فصَّلُوا بينهما.
وثالثاً: أنَّ عدم القول بالفَصْل مستند إلى الإجماع، وقد عرفت حاله، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ويتولَّى الإخراجَ الوليُّ(1)
(1) هذا هو المعروف بين الأعلام؛ لأنَّه هو الذي له ولاية التَّصرُّف في ماله فعليه الخروج عن عهدة هذا الحقِّ كغيره مِنَ الحقوق المتعلِّقة بماله.
وممَّا يدلُّ أيضاً على أنَّه هو الَّذي يتولَّى الإخراج صحيحة يونس بن يعقوب المتقدِّمة الظَّاهرة في أنَّه هو المخاطب بالإخراج، حيث ورد في ذَيْلها «قلتُ: فما لم تجب عليهم الصَّلاة؟ قال: إذا اُتَّجرَ بِهِ فزكِّه»([4]).
ويترتَّب على ما ذكرناه أنَّه ليس للطِّفل الإخراج بدون إذنه وإن قلنا: بشرعيَّة عباداته كما أنَّه ليس لغيره الإخراج؛ لعدم الولاية له عليه.
نعم، مع غيبة الولي يتولَّى الإخراج الحاكم الشَّرعي؛ لأنَّه وليُّ مَنْ لا وَلَيَّ له.
ثمَّ اعلم أنَّ المراد بالوليِّ هو أب الطِّفل، أو جدِّه لأبيه، أو القَيِّم مِنْ قِبَلهما، ومع عدمهم جميعاً يكون الوليُّ هو الحاكم الشَّرعيُّ.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: فيضمنُ لو أهمل مَعَ القُدْرة في ماله وجوباً أو ندباً، لا في مال الطِّفل(2)
(2) المعروف بين الأعلام أنَّ الطِّفل لا يضمن ما يتلف مِنْ ماله إذا أهمل الوليُّ، مع القول بالوجوب في الغلاَّت والمواشي.
وفي الجواهر: «بلا خلاف ولا إشكال...»، وفي الواقع أنَّه لا مقتضى للضَّمان، وإنَّما الكلام في ضمان الوليِّ، وقد ذكر المصنِّف أنَّه يضمن.
وفي المدارك: «لا يبعد تضمينه؛ لأنَّه مخاطب بالإخراج، فيجري مجرى المالك...».
أقول: إنَّ الضَّمان تارةً: يكون لأجل الإتلاف «أي مَنْ أتلف مال الغير فهو له ضامن».
وأخرى: يكون لأجل قاعدة اليد «أي على اليد ما أخذت حتَّى تؤدِّيَه».
وثالثة: للرِّوايات الخاصَّة، وفي موردنا لا يوجد روايات بالضَّمان، كما أنَّه لا تنطبق عليه قاعدة اليد؛ لأنَّ الفرض أنَّه مأذون.
نعم، بما أنَّه أهمل أي فرَّط وأدَّى إهماله إلى الإتلاف، فيضمن؛ هذا كلُّه على القول: بالوجوب في الغلاَّت والمواشي.
وأمَّا على القول بالاستحباب، فقد ذكر المصنِّف (رحمه الله) أنَّه يضمن في ماله، ولكنَّه يطالب بالدَّليل، وهو مفقود.
ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ تلف الزَّكاة إنَّما يتحقَّق مع عزلها، أو مع تلف جميع النِّصاب، والله العالم.
([1]) الوسائل باب 1 من أبواب مَنْ تجب عليه الزَّكاة ح2.
([2]) الوسائل باب 1 من أبواب مَنْ تجب عليه الزَّكاة ح8.
([3]) الوسائل باب 1 من أبواب مَنْ تجب عليه الزَّكاة ح11.
([4]) الوسائل باب 1 من أبواب من تجب عليه الزَّكاة ح5.