الدرس 124 _اصناف المستحقين للزكاة 25
ثمَّ إنَّه هل تعتبر الحاجة إلى الزكاة في مصرف هذا السهم أو لا تعتبر؟ قال صاحب المدارك (رحمه الله) «واعلم أنَّ العلاَّمة (رحمه الله) قال في التَّذكرة بعد أن ذكر أنَّه يدخل في سهم سبيل الله معونة الزُّوّار والحجيج: وهل يشترط حاجتهم؟ إشكال: ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السّهمان، ومن اندراج إعانة الغنيّ تحت سبيل الخير.
وجزم الشَّارح باعتبار الحاجة، بل صرَّح باعتبار الفقر، فَقَاْل: ويجب تقييد المصالح بما لا يكون فيه معونة لغنيّ مطلق، بحيث لا يدخل في شيءٍ من الأصناف إلى أن قال صاحب المدارك (رحمه الله): وهو مشكلٌ؛ لأنَّ فيه تخصيصاً لعموم الأدلَّة من غير دليل. والمعتمد جواز صرف هذا السَّهم في كلِّ قربةٍ لا يتمكّن فاعلها من الإتيان بها بدونه، وإنَّما صرنا إلى هذا التَّقييد؛ لأنَّ الزَّكاة إنَّما شرّعت بحسب الظَّاهر لدفع الحاجة فلا تدفع مع الاستغناء عنها، ومع ذلك فاعتباره محل تردّد».
أقول: قد يستدلّ لاعتبار الحاجة في مصرف هذا السَّهم أو اعتبار الفقر عموم قوله (ص): «لا تحلُّ الصَّدقة لغنيّ»، وخصوص مرسلة عليّ بن إبراهيم المتقدِّمة، فإنّها تدلّ على اعتبار الحاجة في من يخرج إلى الجهاد أو يريد الحجّ.
ويرد عليهما: أمَّا عموم قوله (ص): «لا تحلّ لصدقة لغنيّ» فالمتبادر منه نفي حلّيتها له على حسب حلّيتها للفقير، بأن يتناولها ويصرفها في مقاصده كيف شاء، فلا يُنافيه جواز دفعها إلى الغنيّ ليصرفها إلى جهة معيّنة من وجوه البر.
وبالجملة، فالمراد من عدم حلّيتها له هو أن يكون بنفسه مصرفاً لها، وليس المراد عدم حلّيتها له ولو كان المصرف سبيل الله.
ومن هنا جاز للغنيّ الانتفاع بالقناطر والخانات والعمارات المعدَّة للزُّوار والحجّاج إذا صنعت من سهم سبيل الله.
وأمَّا رواية عليّ بن إبراهيم، فهي أوَّلاً: ضعيفة بالإرسال.
وثانياً: أنَّ الظَّاهر منها أنَّ مؤونة الجهاد والحجّ المذكورتَيْن فيها إنَّما هما من باب التَّمثيل بالفرد الواضح، وإلاَّ فقد وقع في ذيل المرسلة عطف جميع سبل الخير عليهما من غير تقييده بشيءٍ.
ويؤيِّد ذلك: اتِّفاقهم ظاهراً على أنَّ الغازي يعُطى ولو كان غنيّاً.
والخلاصة: أنَّ الأقوى عدم اعتبار الحاجة والفقر في مصرف هذا السَّهم؛ وذلك لإطلاق الأدلة.
وأمَّا القول: بأنَّ الزَّكاة إنَّما شُرِّعت بحسب الظَّاهر لدفع الحاجة، فلا تدفع مع الاستغناء عنها.
فيرد عليه: أنَّ حكمة المشروعيَّة لا تصلح للتَّقييد، وإلاَّ لاقتضت الصَّرف في خصوص سدّ الخلّة، والله العالم.
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: وابن السَّبيل، وهو المنقطع به في غير بلده، وإن كان غنيّاً في بلده، فيأخذ ما يبلغه بلده، و لو فضل أعاده. و قيل: مُنشئ السَّفر كذلك، وهو حسن مع فقره إلى السَّفر ولا مال يبلغه، وإن كان له كفاية في الحضر. وقيل: ابن السَّبيل هو الضَّيف إذا كان محتاجاً في الحال، وإن كان غنيّاً في بلده، رواه الشَّيخان(1)
(1) يقع الكلام في أمرَيْن:
الأوَّل: في المراد بابن السَّبيل، وهل الضَّيف المحتاج إلى الضِّيافة داخل في ابن السَّبيل أم لا؟
وكذا مُنشئ السَّفر الذي ليس له نفقة السَّفر، هل هو مندرج في ابن السَّبيل أم لا؟
الثَّاني: المشهور بين الأعلام أنَّه يدفع إلى ابن السَّبيل من الزَّكاة قدر الكفاية اللاَّئقة بحاله إلى أن يصل إلى بلده، فلو فضل منه شيءٌ هل يجب أن يعيده أم لا؟
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّ ابن السَّبيل هو المنقطع به في سفره بذهاب نفقته أو نفادها أو تلف راحلته أو نحو ذلك.
والظَّاهر: أنَّ المراد من السَّفر هو السَّفر العرفيّ لا ما يوجب التَّقصير، فلا يقدح عدم قصد المسافة ولا إقامة العشرة ولا التّردُّد ثلاثين يوماً، ولا غير ذلك، ممَّا يمنع من وجوب التَّقصير.
وقدِ استدلّ لكون ابن السبيل هو المنقطع به في سفره: بمرسلة عليّ بن إبراهيم المتقدِّمة عن العالم (عليه السلام) «وابن السَّبيل أبناء الطَّريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله، فيقطع عليهم ويذهب مالهم، فعلى الإِمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصَّدقات»([1])، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.
ويؤكِّد ذلك: ما ذكرناه في معنى ابن السَّبيل، من أنَّ السَّبيل لغة: الطَّريق، وإنَّما سُمِّي المسافر المنقطع به ابن السَّبيل لملازمته للطَّريق وكونه فيه، فكان كأن الطَّريق ولدته.
وأمَّا الضَّيف إذا كان في سفر، وكان محتاجاً إلى الضِّيافة، فيطعم حينئذٍ من سهم ابن السَّبيل؛ لأنَّه داخل فيه.
والأصل في ذكر الأعلام للضَّيف مع أنَّه من أفراد ابن السَّبيل الذي يُشترط فيه الحاجة : هو ما ذكره الشَّيخ المفيد (رحمه الله) في المقنعة، قال: «وَابْنِ السَّبِيلِ، وهم المنقطع بهم في الأسفار، وقد جاءت رواية: «أنَّهم الأضياف» يُراد به من أضيف لحاجته إلى ذلك وإن كان له في موضع آخر غنًى ويسار، وذلك راجع إلى ما قدّمناه».
وفيه: أنَّ هذه الرِّواية مع كونها ضعيفةً بالإرسال هي مجهولة المتن.
والحاصل: أنَّ الضَّيف إذا لم يكن في سفر، فلا دليل على كونه ابن سبيل، وإن كان في حاجة للضِّيافة.
وعليه، فإطلاق جملة من الأعلام ابن السَّبيل على الضَّيف من دون تقييد بالسَّفر في غير محلِّه؛ إذ لا دليل عليه.
والرِّواية التي ذكرها الشَّيخ المفيد (رحمه الله) ضعيفة بالإرسال، مع كونها مجهولة المتن؛ إذ لعلَّ في متنها ما يشهد بإرادة المنقطع في السَّفر المحتاج إلى الضِّيافة.
([1]) الوسائل باب 1 من أبواب المستحقّين للزَّكاة ح7.