سلسلة محاضرات حول الدعاء -7- الأوقات التي يرجى فيها إجابة الدعاء
الله سبحانه وتعالى عندما خلق الدنيا وما فيها جعل فيها أسباب ومسببات، ولا يمكن للإنسان أن يتجاوزها – نعم قد تكون هناك أحياناً معجزة أو كرامة وهذا بحث آخر- وإذا أراد الإنسان أن يخالف هذه الأسباب ومسببات عمدا فهو يعمل خلاف الشرع والعقل، مثلاً لو جلس الإنسان في البيت وقال يا ربِّ اجعلني عالماً أو ارزقني مالاً أو ما شابه ذلك فهذا لو بقي ألف سنة يدعو لا يستجاب له لأنّ الله سبحانه وتعالى جعل لهذه الأمور سبباً لنيلها والحصول عليها.
كما انه يوجد عندنا أمكنة لها شرف ومكانة عند الله تعالى وهي أفضل من غيرها من الأمكنة ([1]). وقد اختلف العلماء في أيّ البقاع أفضل على أقوال، فمنهم من ذهب إلى القول بأنّ المكان الذي دفن فيه رسول لله (صلّى الله عليه وآله) هو أفضل الأمكنة، ومنهم من قال أنّ أفضل البقاع على وجه الأرض هي ما بين الركن والمقام، ففي صحيحة أبي حمزة الثمالي، قال: قال لنا علي بن الحسين عليه السلام: أي البقاع أفضل؟ فقلنا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، فقال لنا: أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه، ألف سنة إلا خمسين عاما، يصوم النهار، ويقوم الليل في ذلك المكان، ثم لقى الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا ([2]).
بالمحصلة عندنا أماكن شريفة كمسجد النبي ومسجد الحرام ومسجد الكوفة، ففي مرسلة الصدوق، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله، ومسجد الكوفة ([3]).
كذلك يوجد أوقات أفضل من أوقات مثل شهر رمضان ويوم الجمعة وغيرها كما سنتعرض لها.
ما ورد في الساعات التي يستجاب فيها الدعاء:
ففي صحيحة زيد الشحام، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) اطلبوا الدعاء في أربع ساعات عند هبوب الرياح وزوال الأفياء ونزول القطر وأول قطرة من دم القتيل المؤمن فان أبواب السماء تفتح عند هذه الأشياء ([4]).
عند هبوب الرياح: فالإمام (عليه السّلام) يقول اطلبوا الدعاء عند هبوب الرياح، هنا قد يسأل سائل لماذا عند هبوب الرياح؟ نقول أنّ ملاكات الأحكام لا يعرفها إلا الله تعالى، فلذا لا نعلم ما هو الرابط بين استجابة الدعاء وبين هبوب الرياح، ولذا ورد عندنا -وعند الجماعة أيضا، لكنهم ومن سوء حظهم قالوا أنه لما رؤوا الروافض يدأبون على الالتزام بها تركوها- في باب الأموات أنه يستحب وضع الجريدة مع الميت، وهي تخفف العذاب عن الميت، ولكن لا أحد يعلم سوى الله ما هو الرابط بين الجريدة وبين تخفيف العذاب.
عند الزوال (الأفياء): بعض الروايات حددت مقدار الفيء، ففي عدة الداعي، قال: وعنه (أي الإمام الصادق (عليه السّلام)): إذا زال الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان، وقضيت الحوائج العظام فقلت: من أي وقت ؟ فقال (عليه السّلام): مقدار ( بمقدار ) ما يصلى الرجل أربع ركعات مترسلا ([5]). هذه الرواية ضعيفة.
ما ورد في الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء:
ففي رواية أبي العباس البقباق قال: قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) يستجاب الدعاء في أربعة مواطن في الوتر وبعد الفجر وبعد الظهر وبعد المغرب ([6]). هذه الرواية ضعيفة بجهالة القاسم بن عروة.
فالإمام (عليه السّلام) يكشف لنا الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء.
ما ورد الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء: وقت السَحَر:
ففي رواية الفضل بن أبي قرة عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله خير وقت دعوتم الله فيه الأسحار وتلا هذه الآية في قول يعقوب ( عليه السلام ) " سوف أستغفر لكم ربي " قال أخرهم إلى السَحَر ([7]). هذه الرواية ضعيفة بشريف بن سابق عن الفضل بن أبي قرة.
ثمَّ اعلم: أنّ هذا الوقت هو أفضل الأوقات، وأشرفها، وقيامه أحسن الطاعات، وألطفها، وكم لله فيه من نفحة عَطِرة، يمنُّ بها على من يشاء، وجائزة موفرة يخصّ بها من أخلص في الدعاء، وكم من عبادةٍ فيه هبّت عليها نسمات القبول، ودعوة من ذي طلبة مشفوعة ببلوغ المأمول، ومشكل من مسائل اتّضح بمصابيح الهداية، وعويص من المطالب افتتح بمفاتيح العناية، فهو وقت للعلماء والعاملين، والعرفاء، والمتعبدين، السعيد من سعد بإحياء هذا الوقت الشريف ([8]).
ومن المتفق عليه بين العلماء أنّ أفضل الأوقات هو وقت السَحَر، فهذا الوقت نافع لكلّ شيء، للدرس للعبادة للدعاء قراءة القرآن، هذا الوقت لكلّ شيء حسن، ولسوء الحظ عند الناس أنهم يسهرون ويطيلون بالسهر وينامون فيذهب منهم لا وقت السَحَر فحسب بل صلاة الصبح أيضاً.
وهذا الوقت فيه سرّ أيضاً، وهو يكون فيه ذهن الإنسان وبدنه مرتاح، ولمّا يكون البدن مرتاح يخرج الدعاء بتوجه وإقبال.
وبناء عليه فأحسن وقت للدعاء هو وقت السَحَر.
وبالمناسبة، من يسهر ويعلم أنه لا يستيقظ على صلاة الصبح فهل يجب عليه أن يضع منبهاً؟ نحن قلنا سابقاً أنه لا يجب على المكلف أن يحصل مقدمة الوجوب التي منها الوقت أي يبقى سهران إلى دخول الفجر، ولكن قلنا إذا كان يعلم أنه كلّ ليلة تفوته الصلاة يكون متهاون بالصلاة فيحرم عليه، فيجب عليه إما أن يضع المنبه أو ينام مبكراً حتى يستيقظ لصلاة الصبح.
لذا فالاستيقاظ على وقت السَحَر هو توفيق من الله تعالى فعلى الإنسان أن يشكر الله لأنه وفقه على القيام في وقت السَحَر.
وقت ابتداء السَحَر: اختلف العلماء في وقت ابتداء السَحَر، فقول في أنه الثلث الأخير من الليل، وقول هو السدس الأخير كما هو الأصحّ عندنا.
وقت انتهاء السَحَر: هو عند طلوع الفجر.
بعض فوائد وقت السَحَر: قال تعالى في كتابه الكريم: إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ.
بعض الروايات تقول: ساعة من الليل جداً فضيلة، قد تنطبق على السحر أو قبل السحر، ففي حسنة ابن أذينة عن عمر بن يزيد قال سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول: إن في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم يصلي ويدعو الله عز وجل فيها إلا استجاب له في كل ليلة، قلت أصلحك الله وأي ساعة هي من الليل؟ قال إذا مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي ([9]). وفي رواية أخرى: وهي السدس الأول من أول النصف الباقي ([10]).
ما ورد الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء: ساعة في يوم الجمعة:
منها: رواية زيد بن عليّ عن آبائه عن فاطمة (عليها السَّلام) قال: «سمعتُ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول: إنَّ في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم، يسأل الله عزّ وجلّ فيها خيراً إلَّا أعطاه إياه، قالت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)! أيّة ساعة هي؟ قال: إذا تدلَّى نصف عين الشَّمس للغروب، قال: فكانت فاطمة تقول لغلامها: اِصعد على الظراب، فإذا رأيت نصف عين الشَّمس قد تدلَّى للغروب فأعلمني حتَّى أدعو» ([11]). هذه الرواية ضعيفة بجهالة أكثر من شخص. والظراب: ما نتأ من الحجارة، والجبل المنبسط.
ومنها: ما رواه الشيخ الكليني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الساعة التي تستجاب فيها الدعاء يوم الجمعة ما بين فراغ الامام من الخطبة إلى أن يستوي الناس في الصفوف وساعة أخرى من آخر النهار إلى غروب الشمس ([12]).
ومنها: عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الساعة التي في يوم الجمعة التي لا يدعو فيها مؤمن إلا استجيب له، قال: نعم إذا خرج الامام، قلت: إن الامام يعجل ويؤخر، قال: إذا زاغت الشمس ([13]). ورواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب، والذي قبله بإسناده عن الحسين بن سعيد.
إذن هذه الأوقات هي أوقات شريفة إذا وفق الإنسان أن يدعو بها سيما وقت السحر.
والحمد لله ربّ العالمين.
[1]راجع كتابنا مسالك النفوس إلى مدارك الدروس، كتاب الحج، المجلد الخامس، صفحة 160- 165.
[2]وسائل الشيعة: باب 29 من أبواب مقدمة العبادات، ح12.
[3]وسائل الشيعة: باب 44 من أبواب أحكام المساجد، ح16.
[4] وسائل الشيعة: باب 23 من أبواب الدعاء، ح1.
[5] عدة الداعي: صفحة 46.
[6] وسائل الشيعة: باب 1 من أبواب التعقيب وما يناسبه، ح1.
[7] وسائل الشيعة: باب 25 من أبواب الدعاء، ح2.
[8] كتابنا مسالك النفوس إلى مدارك الدروس، كتاب الصلاة، المجلد الأول، ص 239.
[9] وسائل الشيعة: باب 26 من أبواب الدعاء، ح1.
[10] وسائل الشيعة: باب 26 من أبواب الدعاء، ح2. الكافي: الجزء 3، ص 447، باب صلاة النوافل، ح19.
[11] وسائل الشيعة: باب 41 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح5.
[12] وسائل الشيعة: باب 30 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح1.
[13] وسائل الشيعة: باب 30 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها، ح2.