الدرس 133 _اوصاف المستحقين للزكاة 8
ومنها: موثقة إسحاق بن عمَّار «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل له ثمانمائة درهم ولابن له مائتا درهم، وله عشر من العيال، وهو يقوتهم فيها قوتاً شديداً، وليست له حرفة بيده إنَّما يستبضعها، فتغيب عنه الأشهر، ثمَّ يأكل من فضلها، أترى له إذا حضرت الزَّكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتّسع عليهم بها النَّفقة؟ قال: نعم، ولكن يخرج منها الشَّيء الدِّرهم»([1]).
ولكنَّ ظاهر هاتَيْن الرِّوايتَيْن هو زكاة مال التِّجارة المستحبّ، والتَّعدي منها إلى الزَّكاة الواجبة يحتاج إلى دليل.
وعليه، فيكون المراد من هاتَيْن الرِّوايتَيْن بيان أولويَّة مراعاة استحباب التَّوسعة من إخراج زكاة التِّجارة، أي ترجيح التَّوسعة على العيال على أداء زكاة مال التِّجارة. ومنه يعلم الحال في موثقة أبي خديجة المتقدِّمة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: لا تعطِ مِنَ الزَّكاة أحداً ممَّنْ تعول، وقال: إذا كان لرجل خمسمائة درهم وكان عياله كثيراً، قال: ليس عليه زكاةٌ، ينفقها على عياله، يزيدها في نفقتهم وفي كُسْوتهم وفي طعام لم يكونوا يطعمونه، وإن لم يكن له عيال وكان وحده فَلْيقسِّمها في قوم ليس بهم بأس، أعفَّاء عن المسألة، لا يسألون أحداً شيئاً، وقال: لا تُعطينّ قرابتك الزَّكاة كلّها، ولكن أعطهم بعضها واقسم بعضها في سائر المسلمين، وقال: الزَّكاة تحلّ لصاحب الدَّار، والخادم، ومَنْ كان له خمسمائة درهم بعد أن يكون له عيال، ويجعل زكاة الخمسمائة زيادة في نفقة عياله، يُوسّع عليهم»([2])، فإنَّ هذه الموثقة، وإن لم يُفرض فيها أنَّ الخمسمائة معدَّةٌ للتِّجارة، إلاَّ أنَّها مثل الرِّوايتَيْن المتقدِّمتَيْن، لكون الجميع على مذاق واحد، على أنَّه يُحتمل في الجميع أن يكون المراد غير واجبي النَّفقة من عياله.
والخلاصة: أنَّ الإنفاق الممنوع من احتسابه زكاة شامل للتَّوسعة عليهم، خصوصاً بملاحظة نُدرة الاقتصار على أقلّ الواجب من المنفقين، بل عادة النَّاس هو الإنفاق على عيالهم للتَّوسعة أكثر ممَّا ينفقون النَّفقة الواجبة، فلا يحتاجون للزَّكاة للتَّوسعة عليهم.
والنَّتيجة في نهاية المطاف: أنَّه لا يجوز إعطاء زكاته إياهم للتَّوسعة عليهم، والله العالم.
الأمر الثَّالث: المعروف بين الأعلام أنَّه يجوز دفع الزَّكاة إليهم إذا كان عندهم مَنْ تجب نفقته عليهم لا عليه، كالزَّوجة للوالد أو الولد والمملوك لهما، ونحو ذلك، يدفعها إليهم لينفقها عليهم؛ وذلك لإطلاق الأدلَّة، أي جواز الدَّفع لكلِّ فقيرٍ، واختصاص أدلَّة المنع بغير ذلك؛ إذِ التَّعليل في صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج المتقدِّمة ظاهر فيمَنْ هو لازم للمزكيّ، والإنفاق على زوجة الوالد أو زوجة الولد ليس لازماً للمزكيّ، فلا يشمله الحديث حينئذٍ.
ثمَّ إنَّه بقي التَّنبيه على أمر، وهو أنَّ الممنوع إعطاؤه لواجبي النَّفقة هو ما كان من سهم الفقراء والمساكين ولأجل الفقر، وأمَّا إذا كان واجب النفقة مصداقاً لأحد السِّهام الأخرى كسهم العاملين أو الغارمين أو المؤلَّفة قلوبهم أو سبيل الله أو ابن السَّبيل أو الرِّقاب، فلا مانع، بل جوازه متسالم عليه، إذِ الممنوع هو دفع الزَّكاة إليه من سهم الفقراء والمساكين دون غيرهما من بقية السِّهام، لشمول اطلاقات الأدلَّة لذلك، وقصور أدلَّة المنع عن شموله، كما عرفت.
مضافاً إلى ما دلَّ على جواز قضاء دين الأب من سهم الغارمين، كما في موثَّقة إسحاق بن عمَّار «قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل على أبيه دَين، ولأبيه مؤونة، أيُعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال: نعم، ومَنْ أحقُّ من أبيه؟!»([3]).
وفي حسنة زرارة «قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام): رجلٌ حلَّت عليه الزَّكاة ومات أبوه وعليه دَين، أيُؤدِّي زكاته في دين أبيه وللإِبن مال كثير؟ فقال: إن كان أبوه أورثه مالاً ثمّ ظهر عليه دَين لم يعلم به يومئذٍ، فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث، ولم يقضه من زكاته، وإن لم يكن أورثه مالاً لم يكن أحد أحقّ بزكاته من دَين أبيه، فإذا أدَّاها في دَين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه»([4]).
قال الشهيد الأول (رحمه الله) في الدروس: ولو أخذ من غير المخاطب بالإنفاق، فالأقرب: جوازه، إلاَّ الزَّوجة، إلاَّ مع إعسار الزَّوج، وفقرها(1)
(1) يقع الكلام في ثلاثة أمور:
الأوَّل: هل يجوز لمَنْ تجب نفقته على غيره غير الزَّوجة أن يأخذ الزَّكاة من غير مَنْ تجب عليه نفقته، إذا لم يكن من تجب عليه نفقته قادراً على الإنفاق، أو كان قادراً، ولكن لم يكن باذلاً؟
الثَّاني: نفس الأمر الأوَّل، إلاَّ أنَّه كان قادراً على الإنفاق، وكان باذلاً بلا مِنَّة.
الثَّالث: هل يجوز للزوجة أخذ الزكاة في صورة عدم قدرة زوجها على الإنفاق؟ أو قدرته، ولكن لم يكن منفقاً عليها؟ وفي صورة قدرته على الإنفاق وبذله للنَّفقة؟
أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام هو جواز أخذ الزكاة من غير مَنْ تجب عليه النفقة، وفي المدارك: أنَّه كذلك «قولا واحداً».
أقول: لم يُخالف في المسألة أحد على الإطلاق، فهو متسالم عليه بينهم، ويدلّ عليه مضافاً إلى التَّسالم إطلاقات الأدلَّة.
ويدلُّ عليه أيضاً: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجاج الآتية إن شاء الله تعالى ، ويُلحق به ما لو كان باذلاً مع المنَّة.
الأمر الثَّاني: ذهب جماعة من الأعلام منهم العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة إلى المنع من تناول الزَّكاة من غير المخاطب بالإنفاق.
وقد يستدل لهم بدليلَيْن:
الأوَّل: ما ذكره العلاَّمة (رحمه الله) في التَّذكرة، وهو حصول الكفاية لهم بما يصلهم من النَّفقة الواجبة الموجب لصدق الغنى، فأشبهوا مَنْ له عقار يستعين بأجرته.
وفيه: أنَّه يمنع صدق الغنى بذلك، ولذا لم يكن إشكال ظاهر في جواز إعطاء عيال المُوسر الباذل إذا لم يكن واجب النَّفقة عليه، والفرق بينهما باللُّزوم وعدمه ليس بفارق.
وأمَّا قوله: «فأشبهوا من له عقار...»، فهو قياس لا نقول به.
أضف إلى ذلك: أنَّه قياس مع الفارق، كما لا يخفى.
([1]) الوسائل باب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.
([2]) الوسائل باب 14 من أبواب المستحقين للزكاة ح6.
([3]) الوسائل باب 18 من أبواب المستحقين للزكاة ح2.
([4]) الوسائل باب 18 من أبواب المستحقين للزكاة ح1.